المؤلف:
safaawa2el

إجادة لغة أخرى بجانب اللغة الأم بات مطلبًا ضروريًّا للقبول في أغلب الوظائف، فبخلاف فوائد تعلّم اللغات والتي منها التعرف على ثقافات جديدة، وزيادة مهارات التفكير، فإنها تفتح فرصًا جديدة سواء للعمل، أو الدراسة. فكيف يمكن تعلم لغات بطريقة علمية؟

أفادت دراسة بجامعة هلسنكي بفنلندا حول قدرة المخ على استيعاب اللغة، أن الاستعراض المتكرر للكلمات يحث الاستجابة العصبية السريعة، والتي تعمل على إنشاء ذاكرة لتتبع هذه الكلمات، مما يؤدي إلى سهولة حفظها وتذكرها.

وخلال عملها على أطروحة الدكتوراة، حللت ليلي كيمبا -الباحثة الرئيسية بالدراسة- ديناميكية استجابة الدماغ للكلمات الجديدة عند التعرّض لها لفترات قصيرة، إذ قامت بقياس درجة النشاط العصبي لمجموعة من المتطوعين المتحدثين للفنلندية باستخدام تقنية تخطيط أمواج الدماغ، وذلك في أثناء تعرّض المتطوعين لسماع بعض الكلمات باللغة الفنلندية، وسماع كلمات بلغة أخرى.

من أجل دراسة التأثير، تم تقديم الكلمات الجديدة إلى المتطوعين لمدة 30 دقيقة، إما عن طريق الاستماع المباشر إلى الكلمات وتكرارها، أو من خلال الاستماع إلى بعض الخطب التي تتكرر فيها تلك الكلمات. أظهرت النتائج زيادة الاستجابة العصبية بين المراحل الأولى والمتأخرة عند التعرض للكلمات الجديدة، والذي ينشأ عنه بناء ذاكرة الاستجابة العصبية التي ترتبط بزيادة قدرة المشاركين على تذكر هذه الكلمات فيما بعد.

وترى سارة موفق -مدرس مساعد تدريس اللغة الإنجليزية بالجامعة الألمانية- أن تعلّم اللغة يأتي من خلال الممارسة، إذ قالت في تصريحها للعلم: "كلما ازدادت ممارسة المتعلمين للغة، ساعدهم ذلك في معرفة النطق الأفضل وزيادة الفصاحة والطلاقة من خلال التعرّض بشكل مباشر لكلمات وموضوعات محددة مرتبطة بالحياة اليومية التي يعيشونها".

وأضافت أن الممارسة تأتي ضمن سياق التعلُّم النشط على الأخص من خلال مجموعات يصبح فيها المدرب مجرد ميسِّر لعملية التعلم بين الطلاب عن طريق حلقات النقاش، والأسئلة التفاعلية، وعرض الموضوعات. أيضًا التعلم الذاتي وسيلة مهمّة لاكتساب اللغة من خلال العديد من الوسائل مثل الكتب، والفيديو، والممارسة بشكل مستقل، وأيضًا من خلال تطبيقات تعلّم اللغات مثل تطبيق دولينجو.

لا تُغفِل لغتك الأم

إذًا فعنصر التكرار يؤدي دورًا جوهريًّا في تيسير تعلم اللغات، لكن هناك عناصر أخرى، فوفقًا لدراسة نشرتها جامعة ميسوري بالولايات المتحدة العام الماضي، فإن طلاب مرحلة ما قبل المدرسة الذين يتحدثون الإسبانية كلغة رئيسية ولديهم فهم جيّد للحروف والأرقام الإسبانية، يُظهرون تحسُّنًا واضحًا في مهارات تعلّم الإنجليزية.

ومن خلال البحث، جرت دراسة العلاقة بين المهارات التي يمتلكها الطلاب المتحدثون بالإسبانية مثل تمييز الحروف ومعرفة الأرقام في بداية الدراسة، ومدى اكتسابهم لهذه المهارات باللغة الإنجليزية عند انتهاء الدراسة، إذ تم إجراء التقييم مرتين، إحداهما خلال فصل الربيع والأخرى خلال فصل الخريف باللغتين الإنجليزية والإسبانية.

بعد تقييم نتائج الدراسة لاحظ الباحثون أن الطلاب الذين يمتلكون مهارات لغوية ورياضية جيدة في الإسبانية، اكتسبوا المهارات ذاتها في أثناء تعلمهم اللغة الإنجليزية على نحو أفضل، إذ ساعدهم إتقانهم مهارات لغتهم الأم في تحسين إجادتهم للغة الإنجليزية، مما جعلهم أكثر قابلية واستعدادًا للتعلم من غيرهم.

اللعب طريق لتعلم اللغة

ويُعَد استخدام الأنشطة الترفيهية إحدى الطرق الشائعة في تعليم اللغات حول العالم، وهو الأمر الذي تثبته العديد من الدراسات، من بينها دراسة نشرتها جامعة نوتنجهام البريطانية حول استخدام أنشطة ترفيهية بهدف تحسين تعلّم اللغات.

وفقًا للدراسة، فإن استخدام طرق تعليم غير رسمية من خلال الأنشطة الترفيهية مثل الألعاب والأفلام والصور لا يساعد المبتدئين في اكتساب لغة جديدة فحسب، لكنه أيضًا يساعد في تطوير طرق تعليم اللغات التقليدية وتحسينها، إذ تم إجراء الدراسة على مرحلتين من خلال استخدام كلمات مكتوبة ومسموعة بلغة ويلز -وهي اللغة التي يتكلم بها أهل ويلز في غرب بريطانيا-  مع الصور التي توضح معناها بهدف قياس مدى تعلُّم المبتدئين للكلمات الأجنبية.

 خلال المرحلة الأولى من الدراسة، تم اختيار مجموعة من متحدثي الإنجليزية الذين لا يعرفون لغة ويلز، وتم عرض كلمات من هذه اللغة على شاشات الكمبيوتر، وسؤالهم عما إذا كان هناك حرف محدد ظهر في هذه الكلمات أم لا، مع إضافة مقطع صوتي يعرض نطق الكلمة وأيضًا عرض صورة صغيرة توضح معناها، لكنّ هذه الصور والكلمات المسموعة لم يكن لها علاقة بالمهمة المطلوبة منهم، ولم يُطلب منهم تعلّم أي كلمة من الكلمات التي جرى عرضها.

أما خلال المرحلة الثانية، فقد أُخبِر المشاركون بأن يتعلموا الترجمة الصحيحة لبعض كلمات لغة ويلز، إذ جرى عرض مجموعتين من الكلمات المكتوبة والمسموعة بالإنجليزية وبلغة ويلز، وفي كل مرة يتم سؤال المشاركين عما إذا كانت الكلمة الإنجليزية هي الترجمة الصحيحة لكلمة لغة ويلز المقابلة أم لا.

بعد كل سؤال جرى إخبار المشاركين بصحة إجاباتهم من عدمها، حتى يمكنهم تعلُّم الترجمة الصحيحة، كذلك نصف الكلمات التي تم استخدامها في هذه المرحلة تم استخدامها في المرحلة الأولى.

وأشارت النتائج إلى أن المشاركين كان أداؤهم أفضل في الكلمات التي عُرضت عليهم في المرحلة الأولى، مما يشير إلى أنه في أثناء تعرضهم بشكل غير رسمي إلى مجموعة من الكلمات من خلال اللعب، بدأوا تلقائيًّا في تعلُّم معاني هذه الكلمات بشكلٍ مباشر دون وجود نية للتعلم، وكذلك دون بذل مجهود.

وترى بسمة عبد الحميد -مدرب اللغة الإنجليزية بالجامعة الأمريكية- أن تعلّم أي لغة جديدة لا يكمن في حفظ الكلمات أو القواعد المنفصلة، بل هي عبارة عن مجموعة من المهارات التي يجب تعلمها في آنٍ واحد بشكل منتظم.

وقالت في تصريحها لـ"للعلم": "أفضل طرق تعلم اللغة هي الممارسة والتعلم من خلال مشاهدة الأفلام، إذ إن الممارسة تساعد في زيادة الطلاقة اللغوية واكتساب مهارات التفكير باللغة الأجنبية، أما مشاهدة الأفلام فتساعد في زيادة الإحساس باللغة ومعرفة التعابير والمصطلحات الدارجة التي يستخدمها أهل اللغة".