المؤلف:
safaawa2el

”تنظيم و توظيف الزمن المدرسي بالمدرسة الابتدائية، دراسة من إنجاز الباحث الفرنسي “برونو سوشو” Bruno suchaut ترجمها للغة العربية وحصريا لمدونة تعليم جديد الأستاذ عبد اللطيف المعاني. هي دراسة تُعنى بالمدرسة الفرنسية، إلا أن نتائجها جديرة بالاهتمام. والاستفادة منها من لَدُنِ المدارس والأنظمة التعليمية التربوية العربية عموما، تبقى أمرا محمودا.‟

الزمن المدرسي مفهوم مركزي في السياسة التعليمية، لأن تنظيمه وطريقة تدبيره تُحددان شروط تعلم التلاميذ. وإذا انطلقنا من وجهة نظر الأبحاث التربوية، فإن هذه القضية يمكن أن تُطرح من زوايا مختلفة. إن ما يشغل اهتمام الفاعلين في النظام التربوي ويثير الجدل لديهم، هو توزيع الزمن المدرسي، كما هو الحال مع مسألة حذف صبيحة السبت في المدرسة الابتدائية. و كمساهمة منا في هذا النقاش، نقترح مقاربة تهدف إبراز الرهانات البيداغوجية المرتبطة بهذه المسألة، والتي بإمكانها تحقيق توظيف مثالي للزمن المدرسي في المدرسة الابتدائية، لأن الزمن يبقى المورد الأساسَ الذي يؤطر كل الأنشطة التربوية. يتعلق أساسُ إشكاليةِ الزمن المدرسي، بآثار توظيف وتدبير هذا المورد على التلاميذ. فسؤال تنظيم الزمن المدرسي له علاقة مباشرة بموضوعات أخرى أساسية، كمعالجة الصعوبات المدرسية، وبشكل أكثر عمومية تلك المتعلقة بفاعلية التطبيقات التعليمية (Attali A .,Bressoux P .(2002)، لذا سنخصص الجزء الأول من هذا النص إلى النتائج الأساسية التي كشفت عنها الدراسات المتعلقة بفاعلية زمن التعليم، وسنهتم في الجزء الثاني، بالأعمال المرتبطة بإشكالية تنظيم الزمن المدرسي، وإيقاعات تعلم التلاميذ. عديدة هي الأبحاث التي اهتمت بزمن التعليم، ويأتي الأمريكيون في مقدمة الباحثين في هذا المجال، وقد تمكنوا من الحصول على نتائج هامة Bloom B. 1974) (Smyth1985 ; مقارنة بالفرنسيين الذين تأخروا في الاهتمام بهذا الميدان، وكانت إنتاجاتهم نادرة. و يمكن أن يعالج مفهوم الزمن المدرسي من زاويتين متكاملتين: الأولى ذات طبيعة كمية، وتهدف إلى دراسة حجم الزمن المدرسي، المقدم إلى التلاميذ، وتوزيعه خلال السنة والأسبوع واليوم. والثانية ذات طبيعة كيفية تدرس العلاقة بين مضامين الأنشطة التعليمية وتعلُّمات التلاميذ. اقترح “سميث” (Smyth1985) نموذجا لتحليل زمن التعليم، ميز فيه بين مختلف مستويات التحليل الممكنة، ولكنه فصّل القول في الجانبين الكمي والكيفي. يتحدد المستوى الأول في هذا النموذج في الكمية الرسمية لزمن التعليم، والثاني يركز على كمية التعلمات الفعلية التي يتلقاها التلاميذ، وهذه الكمية تختلف عن السابقة لكونها تأخذ في اعتبارها تغيبات الأساتذة والتلاميذ. وهناك مستوى آخر لدراسة الزمن المدرسي، يهتم بدراسة الوقت الفعلي المخصص لمضامين الأنشطة المدرسية. إن المستويين الأخيرين من هذا النموذج، لهما علاقة بالبعد الكيفي للزمن من خلال التركيز على انخراط التلميذ في المهمة، وعلى زمن التعلم الأكاديمي، وهو مردودية التلميذ عند انخراطه في التعلم. يمكن هذا النموذج من التحليل، من الأخذ بعين الاعتبار مجموع أبعاد زمن التعليم، منطلقا من مقاربة شمولية ومُمَأْسَسَةٍ إلى مقاربة تستهدف سلوكات التلاميذ. ليس طموحنا أن نقدم استنتاجا للأعمال المنجزة حول الزمن المدرسي، إننا نقصد فحص المستويات المختلفة للتحليل لكي نطعم تفكيرنا حول مسألة تنظيم الزمن المدرسي في التعليم الابتدائي. سيقدم المنظور المقارن ذو الطبيعة الزمانية والمكانية، إطارا عاما حول المدرسة الفرنسية، وذلك على الصعيد الكيفي الخالص، وبالخصوص مدة السنة الدراسية. تَبْرُزُ ملاحظة هامة، عند فحص تطور عدد ساعات الدراسة، خلال فترة زمنية طويلة (وثيقة1)

  فقد اختزلت السنة الدراسية بمعدل 1.5 مرورا من 1338 ساعة في بداية القرن العشرين، إلى 864 ساعة حاليا كرقم نظري (تصبح 840 ساعة إذا أخذ بعين الاعتبار أيام العطل) هذا التقليص في عدد ساعات التعليم السنوية، يتوافق مع تقليص أيام الدراسة (بزيادة أيام العطل) وتخفيض عدد ساعات الدراسة في الأسبوع: من27 ساعة سنة 1969 إلى 26 ساعة سنة 1989.

نلاحظ انطلاقا من هذا التاريخ انفصالا بين زمن التلاميذ، وزمن المدرسين الذين استفادوا من زمن خاص لتنسيق الأنشطة البيداغوجية. كما تقلصت المدة الأسبوعية بالنسبة للتلاميذ الذين لا يعانون من صعوبات تعليمية إلى 24 ساعة ابتداء من 2009. وهناك عنصر يجب ذكره في هذا التطور الزمني الذي يشهد على تحول المدرسة وعلى توظيف الزمن المدرسي، فإذا كان التنظيم البيداغوجي للقسم في سنوات الثمانينيات يعتمد على الخطاطة التقليدية معلم/قسم، فإن المدرس اليوم ليس هو المتدخل الوحيد أمام التلاميذ، بل هناك  متدخلون آخرون من خارج المؤسسة التعليمية، (أنشطة رياضية وفنية وثقافية وعلمية). ويمكن أن نضيف أيضا مساهمة مدرسين آخرين لتخصصات معرفية أخرى كالتكنولوجيا الجديدة أو اللغات الحية. وهذا يمكن أن تترتب عنه إكراهات قوية بالنسبة للمدرس فيما يخص تدبير الزمن، لأن جزءا من الزمن المحسوب له لم يعد من اختصاصه. وأخيرا، فقد عرفت السنوات الأخيرة تطورا للأنشطة ما بعد دراسية، والمُصاحَبَة التربوية التي أضيفت إلى استعمالات الزمن المدرسية العادية للأطفال. تغير إذن الزمن المدرسي بعمق، ليس فقط على الصعيد الكمي ولكن أيضا على صعيد جودة توظيف هذا الزمن من جهة الأساتذة والتلاميذ. فإذا لاحظنا حاليا وضعية المدرسة الفرنسية، في سياقها الجغرافي سيتبين لنا من الوهلة الأولى تباينا كبيرا مع البلدان الأخرى فيما يخص ساعات التعليم (OCDE2008.)، فالبلدان التي تعرف أقل مُدَدٍ للتعليم بالنسبة للتلاميذ المتراوحة أعمارهم بين 7 إلى 8 سنوات هي فلندا (608 ساعة)، ثم النرويج (620 ساعة)، فألمانيا (622 ساعة)، في حين ترتفع ساعات التعليم في هولاندا فتصل إلى(891 ساعة)، وفي إيرلاندا تبلغ (941 ساعة)، أما أنجلترا فإن المدة الزمنية فهي (880 ساعة) وهي نسب أعلى من الحيز من الحيز الزمني في فرنسا.

zaman 2

هناك مقياس أول لفاعلية الزمن على التلاميذ، يمكن أن يتحقق بربط المُدد الإجمالية لزمن التعليم بنجاح التلاميذ. ويتعلق الأمر هنا بمحاولة تجريب العلاقة التي يمكن أن تظهر جلية بين كمية الزمن والنتائج على التلاميذ. في هذا المستوى الشمولي من التحليل، فإن الدراسات الدولية لم تصل إلى إثبات علاقة قارة بين هذين العنصرين (Husén T 1972)، فالدول التي تعتمد أعلى نسبة من ساعات التعليم في نظامها التربوي، ليست هي بالضرورة من تحصل على أفضل النتائج. أما هنا في فرنسا فإنه لا يمكن تجريب هذه العلاقة بفحص تقليص زمن التعليم على جودة المدرسة، لأن المقارنات الزمنية صعبة، وذلك لنُدرة المعطيات، وانخفاض قدرات التلاميذ خلال العشرين سنة الأخيرة (M.E.N2008). كما أنه من المؤكد أن الزمن الرسمي (الزمن المنصوص عليه في المذكرات الرسمية)، لا يوفر مقياسا كاملا للزمن الحقيقي لتعليم التلاميذ ولِذا ليس من المدهش ألا نكشف العلاقة بين كمية الزمن، ونتائج التلاميذ في هذا المستوى العام. اهتمت دراسات أخرى بتحديد العلاقة بين الزمن المخصص لمكون ما، وتعلمات التلاميذ، وتمت جُلُّّ هذه الأبحاث في السياق الأنجلوساكسوني، وقد كشفت عن نتائج متعارضة في بعض الأحيان، فإذا كانت بعض الأبحاث تؤكد على أن هناك علاقة بين الحجم الزمني المخصص لمكون ما وتعلمات التلاميذ (Stallings J ;Kaskowitz D. 1974;Harnischfeger A., Wiley D.E. 1977)، فإن أبحاثا أخرى لا تؤكد هذه النتيجة (Lee et al ; 1981)، ويعود السبب إلى المنهجية المطبقة التي تقوم على استبيانات تعتمد تصريحات المدرسين، لا على الملاحظة الدقيقة في الأقسام. أما الأبحاث الفرنسية في هذا المستوى من التحليل، فهي نادرة لكنها مع ذلك كشفت عن نتائج قيِّمة فيما يخص الزمن المخصص لمكون ما وتعلمات التلاميذ، من خلال تزويدنا بعناصر قابلة للتوظيف في تدبير الزمن المدرسي بالمدرسة الابتدائية، كما بينت هذه الأبحاث أبعادا هامة حول توظيف الزمن عند المدرسين، وذلك عندما عرَّفت بالأحكام القيمية بين مختلف المواد، وأثرها على تقدم التلاميذ. وقد أنجز”سوشو”(suchaut,1996) البحوث الأولى في هذا المجال على المستوى التمهيدي، والقسم الأول ابتدائي، على أساس شبكة تقوم على مكونين هما حجم “المعلومات- الزمن” (Budget-temps)، وأظهرت فارقا مهما في توظيف الزمن عند المدرسين. وهكذا ففي القسم الأول ابتدائي يتغير الزمن الأسبوعي المخصص لمكون القراءة بين 7,4 ساعة و15,6 ساعة، والزمن المخصص للرياضيات ب3,2 إلى 7,1 ساعة، كما بينت هذه البحوث أن أقل من 10% من المدرسين تحترم الساعات المنصوص عليها في المذكرات الرسمية. يؤكد هذا التنوع في تدبير الزمن ملاحظات أخرى تمت في هذا المستوى الدراسي (Fijalkaw J. Fijalkaw E. 1993)، وفي نهاية المرحلة الابتدائية( Aubriet- Morlaix S. 1999 ;Arnoux 2004) ، وكذلك في المرحلة الإعدادية.( Thaurel R,Sublet F.(1998) Borreani.et al,2000).

zaman 3

Graphique 3 : Effets différenciés du temps de lecture sur les progressions au CP Suchaut, 1996

كما أنه انطلاقا من الملاحظات الصفية الدقيقة، للأقسام التكميلية (CE2)، تم استخلاص نتائج هامة، أثبتت أن هناك فروقا هامة بين مدرس وآخر في زمن العمل اليومي: يصل إلى حدود ساعة ونصف في الأقسام القصوى (Altet et al ;1994,1996). و يشهد هذا التدبير الفارقي لزمن التعليم على المسافة الشاسعة بين المنهاج المنصوص عليه والمنهاج الحقيقي) Perrenoud P. 1984). وجدير بالملاحظة، أنه نادرا ما يتم تفسير هذا الاختلاف في الزمن المخصص للمواد بالخصائص الكلاسيكية للسياق المدرسي، ولذلك فإن المدرس يبقى الحكم الرئيس في هذا المجال.( suchaut,1997). قام “سوشو”(suchaut,1996) ببحث الاختلاف في الزمن المخصص للمواد، وقد أثمر بحثه عن نتائج، أظهرت أن هذا التنوع يؤدي مفعولا بيداغوجيا لا يستهان به، إذ هناك علاقات قوية بين عدد الساعات المخصصة لمادة دراسية (الفرنسية والرياضيات) وتطور مستوى التلاميذ خلال تلك السنة الدراسية. فارتفاع الساعات المخصصة لمكون القراءة في المستوى الأول، يرافقه مكتسبات جيدة للتلاميذ في هذا المجال لكن مع وجود فوارق حسب مستواهم الأولي، فالتلاميذ جيدو المستوى يحتاجون إلى 11 ساعة، بينما ضعاف المستوى يحتاجون إلى 13 ساعة (وثيقة3)، ومن هنا فإن لهذا الاختلاف أثر على التنظيم البيداغوجي.

و على نهج الدراسة السابقة سار بحث “لأوبريي- مورلي”( Aubriet- Morlaix S. 1999)، وقد اتخذ كعينة مستوى المتوسط الثاني (cm2) وقد خلص إلى نفس النتائج السابقة مع إثبات أن للزمن الممنوح للمادة أثر دائم على التلاميذ. فالزمن الممنوح للفرنسية والرياضيات في المتوسط الثاني له أثر إيجابي على التلاميذ في نهاية السنة السادسة من التعليم الإعدادي. إن البحثين السابقين، قد وظفا مبادئ منهجية اقتصادية تعتمد البعد الكمي في نماذجهم الخاصة بالزمن المدرسي (Perrot,1987) من خلال قياس تقييمات المدرسين للزمن الممنوح للمادة على مكتسبات التلاميذ، لكن ما يجب الاعتراف به أن كيفية توظيف هذا الزمن من المدرسين، وبالأخص التلاميذ، هو المهم. و قد مكنت دراسات فرنسية أخرى (Altet et al,1994,1996) من قياس زمن انخراط التلميذ في أشغال التعلم، ونتجت عن تلك الدراسات عدة ملاحظات، إذ أبرزت: أولا: أن انخراط التلاميذ في المهمة الموكولة لهم، يتناسب مع مستواهم الدراسي، فالتلاميذ النجباء هم الذين يقدمون أعلى نسبة في الانخراط (80%)، أما ضعاف المستوى، فلا يحققون سوى نسب %72.5 و66%. ثانيا: عدم وجود فارق بين المواد في حجم الانخراط. ثالثا: يوجد فارق كبير بين الأقسام في حجم انخراط التلاميذ ضعاف المستوى الذي قد يتراوح بين 50% و 90%. وأخيرا، فإن الدراسات الفرنسية تسير في نفس منحى الدراسات الأمريكية (étude BTES : begining teacher evaluation study)، في كونها تؤكد أن حجم انخراط التلاميذ في المهمة مستقل، عن مقاييس الزمن المخصص للعمل ( Attali A . Bressoux P .2002) . هذه الملاحظة الأخيرة، حول تنوع استخدام الزمن عند التلاميذ تدعونا إلى التنويه بالأعمال القديمة التي اهتمت بالعوامل التي تحدد درجة تعلم التلاميذ حيث جعلت من الزمن بعدا مركزيا في دراساتها. «فكارول» (1963) تعتبر أن المتعلم لا يمكنه النجاح في تعلم شيء ما إلا إذا سخر الزمن الكافي من أجل ضبط الكفايات التي يحتاجها لإنجاز هذه المهمة. وقد حددت هذه الباحثة نموذجها، من خلال صيغة تقيس درجة التعلم عند التلميذ في إنجاز مهمة ما، على شكل علاقة بين حجم الزمن الحقيقي الذي يخصصه التلميذ لإنجاز المهمة (معرف من خلال الزمن الذي يمنحه المدرس للتعليم، ومثابرة التلميذ) على حجم الزمن الكلي الذي يحتاجه المتعلم. هذا الأخير يعتمد على جودة التعليمات، وقدرة التلميذ على فهم التعليمات وانطباعات التلميذ(Caroll1963). وقد أُخِذَ بهذا النموذج في الأعمال الشهيرة ل”بلوم” حول بيداغوجيا التمكن ( 1974 Bloom) التي من أفكارها المركزية: أن كل تلميذ يمكنه أن ينجح في تعلمه إلى درجة ما، إذا توفر على الزمن والمساعدة والتحفيز الضروري. وقد فتحت هذه المقاربات النفسية والبيداغوجية لزمن التعليم المجال أمام أبحاث، شكلت النموذج الأخير المقترح من سميث (1985). وهكذا فقد تمت بحوث تقويمية كثيرة اهتمت بالمدرس المبتدئ، وهذا ما سمح بالكشف عن مفهوم الزمن الأكاديمي، الذي تغذيه أربعة عناصر هي: – الزمن الممنوح من المدرس للمادة. – انخراط التلميذ في هذا التعليم. – درجة التوافق بين نتائج التلاميذ والمادة المدرسة. – درجة النجاح الملاحظة خلال هذا التفاعل التعليمي. (Delhaxle1997)

وهناك عدة عوامل تؤثر إيجابيا على زمن التعلم الأكاديمي (BTES) وهي: – تقسيم التعليم إلى وحدات صغرى. – وضوح الأهداف. – الانخراط العالي للمدرس. – التغذية الراجعة المصححة ( Delhaxhe A.1997).

لقد تطورت سلسلة من الأبحاث في ضوء الدراسات التقويمية للمدرس المبتدئ، وقد كشفت هذه الدراسات التأثير الإيجابي لمختلف العوامل البيداغوجية على متغيرات زمن الانخراط، خصوصا بالنسبة للتلاميذ ضعاف المستوى، وتتمثل العوامل المساعدة على الانخراط في هذه الدراسات في: – حماس المدرس.( Bettencourt E;et al. 1983) – الأنشطة داخل مجموعة كبرى.(Ross ;1984) – أو كذلك التفاعل داخل القسم. (Veenmanet al ;1988)

يظهر بجلاء من هذا التسارع في الأعمال المركزة على الزمن المدرسي، أنه من الضروري النظر إلى الزمن المدرسي من أبعاد مختلفة، كما يبرز أن طريقة توظيف هذا الزمن من قبل التلميذ، تبقى المحدد الرئيس في مدى فاعلية التعلمات. لقد حان الوقت للاهتمام بمظهر مُكمل للزمن المدرسي، وهو يرتبط بالتوزيع السنوي والأسبوعي واليومي، أي الإيقاعات المدرسية الذي يحيل على مفهومين متمايزين، هناك بُعد خارج عن ذات التلميذ تتكفل به المؤسسة ويتمثل في استعمالات الزمن والتقويم المدرسي، ثم بُعد داخلي له علاقة بالإيقاعات النفسية للتلميذ.

إن مسألة تنظيم الزمن المدرسي، هي موضوع الساعة، في سياق المدرسة الابتدائية الفرنسية وذلك من خلال إجراءين لهما تأثير مباشر على زمن الطفل، حذف صبيحة السبت، وإحداث المساعدة الشخصية للتلاميذ الذين يعانون من صعوبات. لتبدأ المدارس الابتدائية في الاشتغال أربعة أيام (الدخول المدرسي لسنة 2009)، وهذا يؤدي إلى تقليص الزمن المدرسي إلى 24 ساعة في الأسبوع بالنسبة للتلاميذ الذين لم يتم اعتمادهم في أنشطة الدعم، مع إجراء جديد يخصص ستين ساعة سنويا للتلاميذ الذين يعانون من صعوبات. هذا الحيز الزمني يمكن أن يسخر في أنشطة مباشرة للتلاميذ، ولكن أيضا يمكن أن يسخر للزمن الخاص بتنظيم هذه الأنشطة، فالتوزيع غير محدد بدقة من قبل المؤسسة، وهذا ما يؤدي إلى أنه لا يمكن حساب مدة الأسبوع المدرسي بدقة بالنسبة للتلاميذ الذين يستفيدون من الدعم، على اعتبار أن هذا الدعم محدد زمنيا خلال السنة، في حين أن هذا المقياس له آثار حقيقية على الزمن اليومي وذلك لأن زمن الدعم يضاف إلى الساعات الخمس العادية، ويبرمج بمبادرة من الفُرق البيداغوجية، إما صباحا أو خلال استراحة الظهيرة، وإما في استراحة ما بعد الزوال، ولذلك فاستحضار نتائج دراسات الإيقاعات المدرسية، يمكن أن يغذي تفكيرنا حول تنظيم جديد للأسبوع. يمكن التمييز في الأبحاث الفرنسية التي تهتم بهذا المجال، بين صنفين، هناك أبحاث تجريبية أو (إكلينيكية) يقوم بها  علماء الكرونوبيولوجيا والكرنوبسيكولوجيا الذين يدرسون آثار تنظيم الزمن على الأبعاد الجسمانية والنفسية للتلاميذ، كما أن هناك دراسات، منجزة في علوم التربية لكنها قليلة (يمكن أن يصطلح عليها بالدراسات التقييمية) وهي تحاول تقويم أثر تنظيم الزمن التناوبي (temps altrnatives) على مكتسبات التلاميذ. و من الواضح أن هذين النمطين من البحوث يستخدمان منهجيات متمايزة، ويستهدفان تأثيرات مختلفة مما لا يسمح بالتقريب بين نتائجهما، فهذه البحوث لم تنتج في نفس السياقات، وليس لها نفس درجة الدقة. فهنا نجد التمييز الكلاسيكي بين المنهجيات التجريبية، والمنهجيات العلائقية (méthodes corrélationnelles) فهناك العديد من الصعوبات المسجلة على صعيد الإجراءات التجريبية (INSERM,2001)، فالقسم ليس مختبرا، ولكنه بيئة طبيعية، بالإضافة إلى ذلك، فإن تكرار نفس التجربة، في نفس اليوم يسبب مشاكل لدى التلاميذ يمكن أن تحجب المتغيرات الدورية للأنشطة الفكرية. وعلى صعيد الدراسات التقويمية، فالحدود المرتبطة بهذه المقاربة، معروفة جيدا وتتمثل في صعوبة الفصل الدقيق بين عامل خاص وغموض المقاييس المنجزة.

تهتم الدراسات التقويمية أساسا بالمقارنة بين عدة نُظم زمنية أسبوعية، ونذكر في البداية دراسة قارنت بين أربعة نماذج تنظيمية أسبوعية: – 4 أيام من 6 ساعات. – 4 أيام من 6 ساعات و30 دقيقة. – 9 أنصاف أيام بما فيها يوم السبت صباحا. – 9 أنصاف أيام بما فيها الأربعاء صباحا (Délvolvé N., Davila . 1996).

و النتائج المحصل عليها، حول القدرات التذكرية للتلاميذ، تظهر أن نظام 4 أيام من ست ساعات ونصف، أكثر إخلالا لإجراءات التذكر. و قامت دراسة أخرى (Délvolvé,Jeunier ;1999) بتجريب تأثير مدة نهاية الأسبوع (يومان أويوم ونصف) على القدرات التذكرية لتلميذ المدرسة الابتدائية طوال يوم الاثنين، وكشفت النتائج بأن القدرات التذكرية (نسبة التذكر وعمق تخزين المعلومات) كانت أفضل بعد انقطاع يوم ونصف على الانقطاع ليومين. كما شكل أثر أسبوع دراسي من أربعة أيام على تلاميذ القسم الثالث والقسم السادس موضوع تقويم خاص قام به الباحث بيزار (Bizard et al ;1994)، ولاحظ أنه ليس هناك تأثير دال لأسبوع من 4 أيام على أسبوع من 5 أيام من الناحية الاجتماعية. وقد قومت دراسات أخرى، نماذج محلية مختلفة لتهيئة الزمن المدرسي في علاقة مع الأنشطة ما بعد دراسية، ونتج عن هذه الأعمال أن مختلف تهييآت الزمن «aménagement du temps» المتعلقة بالأطفال لا تختلف إلا قليلا على مستوى مكتسبات التلاميذ. (Huguet et al ;1997 ;Bianco,Bressoux,1997 ;Bressoux et al,1998 ;Abernot et all,1998). كما أن هناك بحثا أُجريَ في دائرة التربية ذات الأولوية «zone d’éducation prioritaire» بين أن الأطفال الذين يخضعون لتهيئة زمنية تظم أنشطة تكميلية يقدمون مسارا إيقاعيا فكريا كلاسيكيا وسلوكا ثابتا.(Testu 1999) هذا المرجع الأخير، يجعلنا نأخذ في الاعتبار الدراسات الإكلينيكية التي تركز على المظاهر الكرونوبيولوجية والكرونوسيكولوجية. وفي هذا المجال يجب التذكير بعنصر أول وهو أن هناك تنوعا كبيرا في إيقاعات الأطفال الذين ينتمون إلى نفس الفصل، ولهم نفس السن وذلك راجع إلى مدة النوم التي يقضيها كل واحد منهم؛ فهناك من يقضي مدة كبيرة في النوم، وهناك من ينام مدة أقل. كما يرتبط بالعنصر السابق عنصر ثان، وهو أن حاجيات الأطفال من النوم ليلا تتقلص مع السن .فمعدل نوم طفل في الرابعة من عمره هو 11ساعة و 30 دقيقة، بينما ينخفض إلى 8 ساعات و20 دقيقة في السابعة عشرة من عمره. كما يجب أن نعرف أنه في فترة الدراسة في فرنسا هناك طفل من اثنين (عند التلاميذ الذين في سن 6-7) يخضع لاستيقاظ محدث. (INSERM,2001) هاتين الملاحظتين الأوليتين اللتين تذكران بالإكراهات المرتبطة بالنوم، لها علاقة بالمستوى الاجتماعي، لأنه ليس كل الأطفال يتمتعون ببيئة عائلية تسمح باحترام حاجياتهم الطبيعية، وهذا شيء يُؤْسَفُ له.

وفيما يخص الإيقاعات اليومية، فهناك حصيلة للدراسات التي أقيمت في عدة دول أوروبية (Montagner,Testu 1996) تستخدم منهجية نتائجية، انتهت إلى أن انتباه التلاميذ يكون ضعيفا في بداية الصباح، وفي بداية حصة بعد الزوال، ثم يتصاعد خلال كل ما تبقى من حصة الصباح وحصة ما بعد الزوال.

إن صعود نسبة الانتباه يِؤثر إيجابيا على القدرات الذهنية للتلميذ، وبالمقابل فإن الإكراهات البيولوجية كالتعب والضغط الشرياني تضعف هذا التركيز. وهكذا فخطاطة الإيقاعات تصبح على الشكل الآتي: يرتفع مستوى الانتباه والقدرات من بداية فترة الصبيحة إلى نهايتها، ثم ينخفض بعد الغذاء، فيعود إلى الارتفاع خلال فترة ما بعد الزوال (INSERM,2001)، وبالنسبة لأطفال الحضانة والقسم الأول، فإن استرجاع الأنشطة الذهنية بعد الزوال يبقى ضعيفا وهذا ما تجسده الوثيقة 4 التي تبرز قدرات التلاميذ خلال فترات مختلفة من اليوم ونشير هنا أن هذه النتائج، قد تم التوصل إليها في دول أخرى في عينة مشابهة (Testu,1994).

zaman 4

Graphique 4 : Variations journalières des performances d’élèves de 10-11 ans à 3 épreuves d’après Testu (1994), INSERM, 2001, p. 544

وعلى صعيد الإيقاعات الأسبوعية، وفي أسبوع يتضمن 4 أيام ونصف من الدراسة (مع احتساب صبيحة السبت)، فإن تلاميذ القسم الأول تكون قدراتهم جيدة، الخميس بعد الزوال، في حين أن التلاميذ الأكبر سنا تكون قدراتهم أفضل الجمعة صباحا كما أن انقطاع نهاية الأسبوع يِؤثر على الاثنين، وكذلك على صبيحة السبت بالنسبة لجميع التلاميذ وبصورة أكثر حدة على التلاميذ الأصغر سنا. (testu.f 1997) لقد أثبتت الدراسات التي أجريت في بلدان أخرى، لها أيام عطل تختلف عن البلدان الغربية، أن هناك اختلافا فيما يخص الأيام الجيدة والأيام السيئة المتعلقة بقدرات التلاميذ، وهذا يظهر أن المتغيرات الأسبوعية لا ترتبط فقط بسن التلاميذ، ولكن أيضا بتهيئة الزمن المدرسي، “فالأنشطة الذهنية تتأثر بتهيئة الزمن المدرسي أكثر من الإيقاعات الخارجية للتلميذ”(INSERM2001,P62). و توجد ظاهرة هامة لها ارتباط بقضيتنا، وهي أن تنظيم الزمن المدرسي في 4 أيام دراسية، يمكنه أن يُخِلّ بالإيقاعات اليومية المُستدعاة سابقا، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى قدرات التلاميذ في نهاية نصف اليوم (Devolvé,Davilla,1996 Fotinos,Testu,1996). إن الأسبوع الدراسي من 4 أيام له تأثير سلبي حاد في المناطق التربوية ذات الأولوية، وكذلك بالنسبة للتلاميذ الذين لا يستفيدون من الأنشطة ما بعد مدرسية، فالإيقاعات اليومية تعرف انخفاضا دالا عند هذه الفئة (Testu et al ;1998) وإذا أخذنا التنظيم السنوي للزمن، فإن الاختصاصيين في إيقاعات الطفل مثل “أوبيرمونتانيي” و”فرانسوا تيستو” لهم خطابات متطابقة حول هذه المسألة، إذ يعلنون أن تنظيم الزمن يستجيب أولا لاعتبارات اجتماعية واقتصادية لا إلى حاجيات التلاميذ. وقد بينت هذه الأبحاث أن هناك فترات من السنة أكثر صعوبة من فترات أخرى: مثل عيد جميع القديسين، وكذلك فترة فبراير مارس. فهذه الفترة يكون فيها أغلب الأطفال مرضى أو متغيبين، فإذا كانت مدة 8 أيام ضرورية حتى يعتاد التلاميذ على التحول في الإيقاع اليومي، فإن العطل التي تتخلل هذه الفترة يجب أن تمدد على الأقل أسبوعين، وهو ما لا نلاحظه اليوم في عطلة جميع القديسين. و فيما يخص مجموع السنة الدراسية، فإن مبدأ تعاقب 7 أسابيع من الدراسة، وأسبوعين عطلة، يظهر أنه معدل يحترم حاجيات الأطفال، لكن العامل الاجتماعي والاقتصادي، يجعل من تقسيم العطل إلى ثلاث فترات مبدأ غير قابل للتطبيق. كما لاحظ هؤلاء الاختصاصيون أن مدة العطلة الصيفية تبدو طويلة جدا. و أظهرت أعمال أخرى، قام بها باحثون سوسيولوجيون، لا مساواة في المعارف والكفايات بين التلاميذ تبرز في هذه الفترة (Jarousse,Leroy-Audouin,Suchaut,1999 ;Tronçin,2005).

وكخلاصة لهذه الأفكار حول تدبير الزمن المدرسي وتنظيمه، وانطلاقا من الفكرة التي تؤكد أن الزمن هو المورد المركزي في تعلمات التلاميذ، فإنه يمكن الأخذ بعدة نقط وتوظيفها في السياسة التعليمية، منها أن للزمن المدرسي بعدين: بعد كمي وبعد كيفي وأن الذي يهم هو البعد الكيفي، فتوظيف التلميذ للزمن هو المحدِّد للفاعلية البيداغوجية، وفي هذا الإطار فإن للمدرس دور رائد من خلال اختياراته الزمنية بين الأنشطة، كما أن الكفاءة المهنية أساسية في تحفيز التلميذ من أجل أداء المهام الموكولة إليه. ومن الأفكار الهامة في هذا المجال ضرورة إحداث بيئة تعليمية تأخذ بعين الاعتبار تنوع التلاميذ من حيث السن، والوسط الاجتماعي والتنمية. فتنظيم الزمن المدرسي يجب أن يتلاءم مع هذا التنوع. ففيما يخص اختلاف السن لا يعامل التلاميذ الذين في سن السادسة، معاملة من هم في الحادية عشرة، وكذلك يجب الحرص على احترام إيقاعات تعلم التلاميذ الذين لهم نفس السن ونفس المستوى الدراسي.

كما تُظهِر الدراسات المنجزة حول تأثير تنظيم الزمن المدرسي، أن النموذج الفرنسي للمدرسة الابتدائية بعيد على التلاؤم مع الإيقاعات البيولوجية للأطفال: عطل موزعة بصورة سيئة خلال السنة الدراسية، وأيام دراسية طويلة جدا، وحدات تعليمية ليست موضوعة دائما بصورة جيدة في اليوم الدراسي، وإقرار الدعم الشخصي يفاقم كذلك من هذا المشكل، وذلك بالرفع من مدة الأيام الدراسية، وإذا كان مبرمجا في ساعات لاتتلاءم مع إيقاعات التلميذ، كأن يكون ليلا فإن ذلك يقضي على فعاليته(Suchaut,2009).

إن تنظيما للزمن يأخذ في الاعتبار نتائج الأبحاث في هذا المجال سيحدد زمن التعليم في 20 ساعة إلى حدود المستوى الثالث، مع أيام دراسية أقل طولا، وهذا ما سيترتب عليه نتائج تتمثل في تنظيم أسبوعي من أربعة أيام ونصف أو خمسة أيام، وتقليص مدة العطلة الصيفية بأسبوع أو أسبوعين. كما يجب وضع وحدات التعلم في أوقات يكون فيها التلاميذ أكثر استيعابا، كما أنه من اللازم إذن توقع تطور تدريجي للأنشطة في بداية الصبيحة، أما بداية ما بعد الزوال فيجب أن تخصص لأنشطة لا دراسية. وهذا التنظيم يتطلب تنسيقا كبيرا بين الفاعلين التربويين على المستوى المحلي، لأجل إيجاد تَمَفْصُلاتٍ بين الأزمنة المدرسية وما بعد دراسية.

إذا كان تنظيم الزمن فعلا لا يكفي في حد ذاته من أجل الارتقاء بجودة مدرستنا وتقليص الصعوبات المدرسية، فإنه مع ذلك يمكن أن يكون رافعة لتقليص الفروق بين التلاميذ، وبعبارة أخرى، إن تفكيرا معمقا في تنظيم الزمن يفتح المجال أمام ممارسات تمس البعد الكيفي لزمن تعلم التلاميذ والذي يعد بعدا مركزيا على صعيد الفعالية البيداغوجية.