د. أسمهان ماجد الطاهر
إن أهم قطاع ما زالت الجهود مكثفة لإصلاحه وتطويره هو قطاع التعليم. عندما نتحدث عن التعليم فنحن نتحدث عن إيجاد العوائد وتحقيق المكاسب، لا بل وأكثر نتحدث عن الربح. إن المهمة الاساسية للتعليم هو تحقيق العوائد للمتعلمين وللمجتمعات. ولطالما اعتبرنا التعليم اداة البشر في التنمية والتطوير ودعم التشغيل وتقليل البطالة مما يحقق عوائد للفئات المتعلمة وللمجتمعات. وافترضنا دائماً أن الاجيال الجديدة المتعلمة ستحظى بحياة افضل من غيرها من الاجيال التي لم تنل فرصة التعليم. ولكن التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة حالياً. لما نشكو من مخرجات التعليم ، ولما نسبة البطالة في ازدياد، وهل زيادة الاقبال على التعليم والحصول على الشهادات العليا مكًن حاملي تلك الشهادات من الحصول على فرص عمل أفضل أو حتى رواتب افضل. عدد كبير من الطلاب بات يقبل على الالتحاق ببرامج الماجستير أملاً في تحسين فرصهم في العمل أو في مستوى الراتب والمردود المادي، ولكن عملياً كثير منهم أصيب بخيبة الامل ووجدوا أن حتى حصولهم على شهادات اعلى لم يمكنهم من أضافة الكثير لفرصهم أو حتى لدخولهم، وحتى نسبة الزيادة في الراتب لأصحاب الشهادات العليا باتت ضئيلة، ونسب البطالة في السنوات الاخيرة في ازدياد رغم الاقبال الشديد على التعليم العالي. عدد كبير من الخريجين لا يجدون فرص العمل المناسبة وهناك عدد لا بأس به يعمل بوظائف لا علاقة لها بما يحمل من شهادات وتخصصات علمية، وهناك عدد من العاطلين عن العمل يحملون الشهادات الجامعية. الفجوة المعرفية تتسع وهناك جسر بين ما نملك وبين ما نريد. كل ذلك أدى الى الخروج بنتيجة ما زلنا نكررها تلقائياً وهي أن مخرجات التعليم العالي ضعيفة وأن برامج التعليم تحتاج مزيداً من الاصلاح والجهد والعمل الدؤوب. إن تحقيق هذا الاصلاح بات مطلباً اساسياً وحقيقيا للعودة لإزدهار واضح في مسار قطاع التعليم. من خلال قراءتي لبعض المقالات المتخصصة وخبرتي في مجال التعليم الجامعي سأطرح لنقاش مجموعة من السياسات المتعلقة بتطوير التعليم على أن تبدأ من مرحلة المدرسة حيث طلابها هم المدخلات الاساسية للتعليم العالي. وأول هذه السياسات تتعلق بالفترة الزمنية المخصصة للدراسة وللاجازات حيث يدرس الطلاب 12 عاماً في المدرسة ويحصلون على اجازة سنوية صيفية طويلة تصل الى ثلاثة اشهر متواصلة ومع أجازة بين الفصلين قد تصل الاجازة المدرسية الي أربعة اشهر كاملة كل سنة. لقد أثبتت الدراسات أن الطلاب في مراحلهم الدراسية الاولى يكونون في أفضل حالة ذهنية وقوة ذكاء وقابلية للتعلم لذلك ينصح لهم بزيادة ايام الدراسة والتقليل من إطالة فترة الاجازة ويمكن تحقيق ذلك بحيث تقسم السنة الى ثلاثة أو اربعة فصول يتخلل كل فصل اجازة لمدة اسبوعين او ثلاثة على الاكثر، مما يمنع ملل الطالب من العملية التعلمية ويمنع انقطاعة لفترة كبيرة ويهيئة لاستقبال مزيد من العلوم بطريقة أفضل وهو ما تعمل به بعض المدارس في النظام الاجنبي. وحقيقة حصول الطلاب على فترات اجازة طويلة يعطل انتاجيتهم في التعلم وقد يؤدي الى مزيد من الضعف عند من يعانون منهم من مشاكل في تعلم القراءة اوالكتابة وبالذات في السنوات الاولى للمدرسة، والاجازات غالبا ما تملأ بأنشطة اجتماعية ولا يلتفت الاهل فيها الى عملية تطوير المهارات العلمية لدى ابنائهم، وحتى معظم نوادي الصيف المعدة لهذا الغرض تركيزها غالبا ما يكون على الترفيه والتسلية. ولو ابحرنا أكثر في آلية النظام التعليمي وتطوير محتواه وسألنا انفسنا هل هناك مقاييس واضحة ومتنوعة لتقييم العملية التعلمية في المدارس بمعنى ما هي المعرفة التي اكتسبها الطلاب، ماذا يعرفون، وكيف سيستفيدون مما يعرفون في حياتهم أو كيف سيستخدمون هذه المعرفة، سنجد ضعفا في المقاييس المتوفرة لذلك، وبالتالي لابد من توفر مقياس أكثر كفاءة يخدم في مجال اصلاح وتحسين العملية التعليمية وخصوصاً في ظل التسارع الهائل في التكنولوجيا وسرعة تضاعف وتغير الاساس المعرفي. كذلك لو تطرقنا لطرق التعليم لوجدناها تعتمد على الحفظ والتذكر الأصم بدون تنمية اسس وطرق الإكتشاف أو طرح التساؤلات أو التعلم الذاتي. كما لا يوجد ربط فعلي بين الطلاب والمكتبة كآحد مصادر المعرفة وهي تشكل في العادة خطوة إيجابية في دعم التعليم وحث التفكير وتشغيل الدماغ للخلق وابداع فكر ومعرفة جديدة. لابد من توفير نماذج عمل جديدة تحث طرق التفكير وتساعد على تكيف الطالب مع العملية التعليمية. كما لابد من توفر مشاريع تعلمية متخصصة تربوياً وانسانيا وصحياً لحل المشاكل التي تعيق عملية التعليم والتي تتراوح بين ضعف عدد ساعات النوم ، سوء التغذية ، الاحباط ، المشاكل الاسرية أو ضعف بعض القدرات وقابلية التعلم، حيث كل تلك المشاكل تحتاج برامج متخصصة ونماذج عمل لمعالجتها بهدف تأهيل الطالب ليكون متجاوباً مع العملية التعليمية. إن طرح الموضوع بكل تفاصيله في مقال امر صعب ولكن يبقى التعليم هو القطاع الاهم ويبقى اصلاح هذا القطاع اولوية ولا يمكن البدء به إلا من مدخلات هذا النظام وهي المرحلة المدرسية ثم نسير نحو تطوير التعليم العالي وكيفية ربط الطلاب بالمهارات والمعرفة التي يجب أن يمتلكوها لإيجاد فرص عمل في الاسواق وللتنسيق والتكامل بين ما تقدمة المدرسة من علوم وما يستجد في الجامعات من تخصصات متجاوبين مع التطور التكنولوجي وحاجة سوق العمل. [email protected] - الرأي .
اوائل - توجيهي .