تواجه وزارة التعليم في السعودية أزمة كبرى، إذ ينتقل المدرّسون من المؤسسات التربوية حيث يعملون إلى مجالات أخرى يعدّونها أكثر استقراراً وراحة. وهو أمر يمثّل عرقلة للعملية التعليمية، لا سيّما مع انقضاء النصف الأول من العام الدراسي الجاري. إلى ذلك، تتزايد حالات التقاعد المبكر بين المدرّسين، بعد المخاوف التي راحوا يشعرون بها من جرّاء قرار وزير التعليم إعادة تقييم رواتبهم، إذ قد يقود الأمر إلى تخفيضها، خصوصاً عند التقاعد، بعد احتساب جزء من الراتب الأساسي كبدلات لا تدخل في راتب التقاعد.

أقرّ المتحدّث باسم الوزارة مبارك العصيمي بتزايد حالات التقاعد المبكر، مشيراً إلى 18 ألفاً و881 مدرّساً ومدرّسة. وقال إنّ الوزارة اتخذت كل الاحتياطات لمعالجة نقص المدرّسين، من دون أن يحدّد ما هي تلك الاحتياطات وكيف سيسدّون الفجوة. لكنّ الأمر، بحسب ما يبدو، يتّجه بوضوح نحو تحميل المدرّسين الآخرين مسؤولية تغطية النقص، من خلال رفع حصصهم الأسبوعية إلى 22 حصّة كمعدّل وسط، بعدما كان يراوح ما بين 18 و20 حصّة.

إلى التقاعد المبكر، كشف تقرير إحجامَ عدد كبير من المدرّسين عن متابعة العملية التعليمية، وتوجّههم نحو وظائف جديدة في قطاعات حكومية مختلفة. والأمر الذي يتمّ في الغالب من دون الحصول على موافقة الوزارة، يضعها في ما يشبه المأزق. وهو ما دفعها إلى الاشتراط على الجهات الحكومية الأخرى، موافقتها أولاً على انتقال المدرّس. وفي حال لم يصَر إلى ذلك، لن تعطي الموظّف المنتقل "إخلاء طرف".

وتشير مصادر، إلى أنّ وزارة التعليم لاحظت "تزايداً في انتقال شاغلي الوظائف التعليمية إلى قطاعات حكومية مختلفة من دون اتباع الخطوات والإجراءات النظامية في نقل الخدمات ومن دون موافقة وزارة التعليم، لا بل راحوا يطالبون بإخلاء الطرف المباشر في إداراتهم الجديدة". تضيف المصادر نفسها أنّ "الأمر أوقع الوزارة في مأزق، خصوصاً أنّ الأعداد كبيرة. وهو ما دفعها إلى رفض منح الموظفين الذين لا يحصلون على موافقة مسبقة إخلاء الطرف اللازم لمباشرة عملهم الجديد، مع نيّة فرض عقوبات إدارية عليهم".

في هذا السياق، يرى متخصصون في مجال التعليم أنّ تزايد عدد المدرّسين المنتقلين إلى وظائف أخرى وهؤلاء المتقاعدين مبكراً ما هو سوى مؤشّر إلى عدم رضا متزايد من قبل المدرّسين عن أداء الوزارة. بالتالي يُصار إلى البحث عن جهات حكومية مشغّلة أخرى ولو ببدلات مالية أقلّ، إذ إنّ كلّ خطط الوزارة للنهوض بالتعليم كانت على حساب المدرّسين والضغط عليهم بطريقة مبالغ فيها.

يتحدّث ناصر المزيني، وهو مدير مدرسة متوسطة في الرياض، عن "نقص كبير في أعداد المدرّسين، في حين يُسجَّل تراجع في أعداد المعيّنين حديثاً، الأمر الذي يوقعنا كمدراء مدارس في أزمة". يضيف أنّه "في كل عام، نواجه مشكلة كبيرة في أعداد المتقاعدين. لكنّ الأعداد خلال العام الأخير أتت مرتفعة جداً، وقاربت بحسب تصريحات رسمية، 19 ألف مدرّس ومدرّسة، في حين لم تتجاوز التعيينات الجديد ستّة آلاف مدرّس ومدرّسة فقط. وهو ما يعني قصوراً بأكثر من 11 ألف مدرّس ومدرّسة. أمّا المشكلة الأكبر، فتكمن في عدد المدرّسين الذين ينتقلون إلى وظائف أخرى بسبب التعب الذي يعانونه من جرّاء ضغوط الوزارة والأعباء الكبيرة التي باتوا يتحمّلونها". ويتابع المزيني أنّ "ما فاقم المشكلة هو أنّ الوزارة تدرس حالياً تعديل رواتب المدرّسين لتصبح مثل رواتب موظفي قطاعات الدولة الأخرى، من دون النظر إلى الجهد الذي يبذله المدرّس طوال اليوم وعمله المتواصل من دون راحة". ويشدّد على أنّ هذا "الأمر لا يعانيه الموظفون الآخرون، إذ إنّ التعامل مع الأطفال وتعلميهم لا يشبه إنجاز معاملات محدودة في اليوم".

من جهته، يقول المتخصص في الشأن التعليمي السعودي الدكتور فهد البجاد، إنّ "الضغوط التي تمارسها وزارة التعليم على المدرّسين، أجبرت كثيرين على البحث عن عمل آخر ولو براتب أقلّ". ويشير، إلى أنّ "الرواتب التي كانت جيّدة نسبياً والمميزات الأخرى هي ما أقنع السعوديين للاتجاه نحو سلك التعليم المتعب. لكن مع نيّة الوزارة تقليص الرواتب والمميزات، سوف يصبح القصور واضحاً في هذا القطاع الذي يُعدّ بالغ الأهمية".

يضيف البجاد أنّ "المدارس بمعظمها تعاني نقصاً حاداً في عدد المدرّسين، وهو ما دفع مدراء المدراس إلى تحويل مدرّسين إلى تخصّصات غير تلك التي درسوها. ومن شأن ذلك أن يضرّ بالعملية التعليمية كثيراً".

أمّا محمد الثميري، وهو مدرّس، فيتحدّث عن "ثلاث مشاكل رئيسية يعانيها المدرّسون، وهي أنّ من وضع مشروع تطوير التعليم كان بعيداً عن المجال، وأنّ الصلاحيات ضائعة، وأنّ الوزارة لم تنفِ الشائعة القائلة بخفض الرواتب". ويشدّد، على "ضرورة توفير بدلاء بسرعة، وضرورة سؤال المدرّسين عن رغبتهم أم لا في التقاعد المبكر". يضيف أنّ "ثمّة حالة متزايدة من الملل والإجهاد تصيب المدرّسين. والوزارة، بدلاً من معالجة ذلك، تزيد من الضغوط عليهم. فالمدرّس ينتقل من حصّة إلى أخرى في فصول مكتظّة بالتلاميذ، وفي ظلّ أنظمة قيّدت حركته، فبات عاجزاً عن الحركة، إلى جانب قلّة الاهتمام به. فلا حوافز تشجيعية ولا تكريم".

ويوضح الثميري أنّ "أكثر ما يتسبّب في نفور المدرّسين من عملهم، هو تحميلهم نتائج القصور الذي تتسبب به الوزارة. فيكون الضغط على المدرّس من خلال أكثر من عشرين حصّة أسبوعياً، ناهيك عن الأنشطة التي بات ملزماً بها داخل المدرسة وخارجها. بالتالي، لم يعد للمدرّس القدر الكافي من التقدير والاحترام، ومن الطبيعي أن يهرب إلى عمل أكثر راحة".

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد المدرّسين والمدرّسات في السعودية اليوم، يبلغ 527 ألفاً و30 مدرّساً، وهو أقلّ بنحو أربعة في المائة بالمقارنة مع عددهم في العام السابق الذي بلغ 546 ألفاً و592 مدرّساً. ومن المتوقّع أن يستقرّ عند الانتهاء من حركة التقاعد هذا العام على 515 ألف مدرّس، أي بتراجع يُقدّر بنحو 2.3 في المائة. وهؤلاء المدرّسون سوف يدرّسون أكثر من 6.1 ملايين تلميذ في مختلف مراحل التعليم العام.

(العربي الجديد)

 

أحدث الأخبار