الاتجاه العالمي الحديث في التربية والتعليم لا يركز على ما يسمى "معيار النجاح والفشل" في الاختبارات، بل يركز على محاولة الكشف عن المستوى العلمي والتحصيلي والاستعدادات والقدرات لدى الطالب، من أجل التنبؤ بقدراته العلمية المستقبلية. من هنا ينظر البعض إلى الاختبارات بأنها أداة تنبؤ للمستقبل العلمي للطالب. بمعنى آخر، تساعدنا نتائج تلك الاختبارات التربوية في التنبؤ بقدرة الطالب على اجتياز المتطلبات التحصيلية في المستويات العلمية اللاحقة، إن كانت مدرسية أم جامعية. فعلى سبيل المثال، تطلب معظم الجامعات الأميركية ذات المستوى الجيد من الطالب المتقدم للقبول فيها أن يزودها، أولاً وقبل نتائجه التحصيلية في نهاية المرحلة الثانوية (High School) وهو ما يقابل عندنا التوجيهي، بدرجاته في الاختبار المعروف اختصاراً بالـ"Scholastic Assessment Test) "SAT)  وهو اختبار يقيس استعدادات وقدرات الطالب في مجالات مختلفة، من ضمنها قدرته على الفهم والتحليل والتطبيق والإبداع، وغير ذلك من الصفات المطلوب توافرها في الطالب الجامعي ليتمكن من الاستمرار والنجاح في المرحلة الجامعية. فإذا كانت نتائجه عالية جداً على اختبارات الـ"SAT"، يتمكن من الحصول على مقعد في أفضل الجامعات، وكلما تدنت درجته على هذا الاختبار كلما قلت فرصته في القبول في الجامعات المرموقة، لكنه بالطبع قد يقبل في الجامعات الأقل شهرة. وما أريد توضيحه هنا أن نتائج الـ"SAT" لا تشير إلى معيار فشل أو نجاح الطالب؛ إذ ليس هناك نسبة معيارية أو درجة معيارية محددة (Cut-off Score) ما بين الطالب الناجح والطالب الراسب على هذا الاختبار، كما هي الحال في اختبار التوجيهي، فمن يحصل على درجة 50 فما فوق في التوجيهي يعتبر ناجحا، بإمكانه إقامة الحفلات والأفراح، فيما يصيب من ينال دون ذلك الانهيار التام، ويبقى يعاني من المضاعفات النفسية والاجتماعية وكأنها وصمة عار. ففي كل عام، نعرض عددا كبيرا من أبنائنا الطلبة المتقدمين للتوجيهي لخبرة الفشل التي قد تعايشهم لسنوات طويلة، إن لم يكن طيلة العمر أحياناً. فلماذا لا نستخدم الأساليب العلمية لمؤسسات تربوية دولية سبقتنا في هذا المجال، مثل مؤسسة "Educational Testing Services"؛ وهي مؤسسة تربوية عالمية لتطوير الاختبارات التربوية والعلمية لمرحلتي المدرسة والجامعة، منها اختبار الـ"SAT". فإذا قمنا بتطبيق آلية الـ"SAT" على اختبار التوجيهي فهي عملية سهلة ولا تطلب أي تغيير على محتوى الاختبار أو على اجراءاته من بناء أو تطبيق أو تصليح، بل ما نحتاجه هو إعطاء مجموعة درجات لكل مادة دراسية حسب وزنها وأهميتها؛ فقد نعطي مادة اللغة العربية 120 درجة، ومادة الرياضيات 100 درجة على سبيل المثال. وأنا على ثقة تامة بأن هناك كوادر ذات خبرة ودراية في وزارة التربية والتعليم قادرة على ترجمة هذه المتطلبات بقدرة مهنية عالية. وعليه، فإن نتائج أي طالب توجيهي لن يشملها النجاح أو الفشل، فنلغي تماماً معيار الـ50 % المستخدم حالياً للتمييز بين الفشل والنجاح. وننظر بدلاً من ذلك إلى مجموع علامات الطالب فقط. فاذا كانت مجموع علامات المواد في التوجيهي 1250 درجة على سبيل المثال، وحصل طالب ما على 800 درجة، فيما حصل طالب آخر على 300 درجة، فليس هناك معيار للنجاح أو الفشل، بل لكل طالب مجموعة من الدرجات قد حصل عليها ولا يمكننا القول بأن هذا الطالب ناجح وهذا الطالب راسب، وانما نترك الخيار للجامعات لتقدر مستوى الدرجات التي تقبل به في كل عام بل وفي كل فصل دراسي أيضاً، فالجامعة "س" قد لا تقبل أي طالب درجاته دون 940، والجامعة "ص" قد تقبل الطلبة دون ذلك، تماما كما يترك لصاحب العمل أن يختار موظفيه من طلبة من المستوى الذي يراه مناسباً لمؤسسته. أي إن معيار القبول أو عدمه يحدد من قبل الجامعات ومن قبل أصحاب العمل وليس من الوزارة.  هكذا، لا يمكن أن نصف أي طالب توجيهي بالنجاح أو الرسوب، فما يحدد مستقبله هو مجموعة درجاته على اختبار التوجيهي وليس المعيار التقليدي السائد حالياً. وآمل من مسؤولي قسم تطوير الامتحانات في الوزارة دراسة هذا المقترح.

أحدث الأخبار