نيفين عبد الهادي -  يزاحم التعليم التقني والمهني عناوين الإصلاح التربوي والتعليم العالي، ففي كل مرة تطرح بها مثل هذه القضايا على اختلاف أنواعها نجد أن هذا النوع من التعليم يطرح من بينها إن لم يكن أكثرها أهمية، لكن  يبدو واضحا أن الصورة العامة ما تزال ضبابية لم تتبلور بصيغة يمكن القول من خلالها أننا وصلنا لمنتج تعليمي ناضج بهذا الخصوص. وعلى الرغم من تعدد الطروحات التي قدمت حتى اليوم بشأن تعزيز التعليم التقني والمهني وتوجيه بوصلة التعليم نحوه بشكل أكثر جدية ووضوحا، إلا أن الأمر ما يزال يدور في فلك الحديث بمفردات وخطط متعددة أكثر بكثير من التنفيذ وصياغة عملية لهذا النوع الهام من التعليم الذي دون أدنى شك يحتاج إلى جانب المنهجيات الرسمية لتطبيقه تغير ثقافة وذهنية المجتمع غير المتقبل لهذا النوع من التعليم حتى الآن. ويبدو كذلك أن من يدير هذا الجانب الهام لم يتنبه حتى اللحظة أن الأمر بحاجة لإستعدادات تخص الذكور وأخرى تخص الإناث، فمن الصعب النظر للتعليم المهني كقالب واحد، فما تحتاجه الأنثى يختلف عن الذكر تحديدا في جانب التخصصات والجانب الفني والتطبيقي. ما من شك أن قراءة واقع التعليم التقني تدخلنا في شبكة من التفاصيل التي تتطلب تنبها لأدقها، وصولا لمنظومة متكاملة نموذجية والأهم عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع وادخال هذا الجانب من التعليم حيّز التنفيذ في ظل بحثه لسنوات طويلة دون الوصول حتى يومنا هذا لصيغة توافقية بِشأنه.    وفي قراءة خاصة لـ»الدستور» حول واقع التعليم التقني والمهني وأين تقف الخطط التي أعدت بشأنه، بدا واضحا أن الملف برمته يقف على مفترق طريق بين التطبيق من عدمه، ذلك أن النظام الحالي لهذا النوع من التعليم لا يوفر ما يكفي من الدعم والتشجيع للطلاب على اختيار البرامج التقنية. ولفت خبراء إلى أنه في العامين الماضيين، أصبح الوضع أكثر سوءاً بسبب انخفاض معدلات القبول في الحد الأدنى للجامعات، الأمر الذي أوجد بوضوح وجود ثغرة في آليات التنسيق بين صانعي القرار، ذلك أن الإقبال على التعليم التقني استمر بذات النسب ولم يرتفع، حيث أن معادلة المنطق تتحدث أنه في حال تدني المعدلات فإن البديل سيكون التعليم التقني لكن ذلك لم يحدث. وطالب عدد من الخبراء بضرورة التنسيق بين الجهات ذات العلاقة، وتوحيد مرجعية كليات المجتمع وإعادة النظر باستراتيجية التعليم العالي، وفي نفس الوقت إعادة النظر بمعايير القبول في الجامعات، ذلك أن توفير إمكانيات التعليم المهني يتطلب إصلاحات جذرية للنظام التعليمي وحملات مستمرة لتغيير المفاهيم الاجتماعية وهي الأهم. في هذا الشأن، كشفت احصائيات حديثة أن عددا قليلا جداً من الأردنيين ملتحقون في برامج التدريب المهني التي يمكن أن توفر فرص عمل أفضل، إذ يلتحق أقل من 11% من طلاب التعليم العالي في البرامج التقنية التطبيقية التي تستمر لعامين، كما كشفت عن وجود 41 كلية مجتمع خاصة أو عامة في الأردن، وبذلك يكون هناك نحو (21) ألف طالب يدرسون على مقاعدها، وأقل من ثلث هؤلاء الطلاب ملتحقون في البرامج التقنية. ويقابل إشكالية التحاق الطلبة بالتعليم التقني، إشكالية أخرى تتعلق بمستوى الخريجين من هذا النوع من التعليم، حيث بينت دراسة دولية حول أصحاب العمل الإقليميين أن فقط 10% من أصحاب العمل في الأردن كانوا راضين عن «المهارات التقنية» في حين 16% منهم فقط كانوا راضين عن «المهارات الشخصية» للخريجين المهنيين. ونبه خبراء إلى أنه من المهم أن يدرك صانع القرار التعليمي بشقيه المدرسي والعالي أن آلاف الشباب ليسوا قادرين على تحقيق النجاح نظرا لأن الفلسفة التعليمية غامضة وغير واضحة نحو مسارات التعليم العالي في الأردن، ففي كل سنة، يخفق حوالي 60% من الطلاب في امتحان التوجيهي، مجبرين بعد ذلك على الانتظار لمدة سنة أخرى لإعادة إجراء الامتحان، أو التخلي عن مواصلة تعليمهم، فقد بينت دراسات  عامي 2012-2013، وجود 29% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 في الأردن لم يكونوا متواجدين في مجال التعليم أو في مجال العمل. ولعل هذا الواقع المدعّم بالأرقام والإحصائيات يضعنا أمام تفاصيل هامة تفرض وجودها على المشهد التعليمي، بصورة تفرض وضع إستراتيجية علمية تعليمية واجتماعية لغايات تغيير المفاهيم بصورة عامة حول التعليم التقني ودون ذلك، سوف يستمر الدوران بذات الحلقة المفرغة فيما يخص هذا النوع من التعليم ولن نصل لأي نتيجة عملية تقود لتعزيزه وانتشاره وجعله أحد ركائز التعليم، فالأمر لن يحسم بتخفيض معدلات القبول بالجامعات ، فهذا الأمر لم يأت بأي نتائج إيجابية على التعليم المهني والتقني، كما أن توجيه عمل كليات المجتمع لهذا النوع من التعليم أيضا لم يقد لنتائج إيجابية سيما وأن غالبية التخصصات التي يمكن تدريسها بها تميل لكفة الذكور وليس الإناث، إلى جانب أن غالبيتها تحتاج لمختبرات واستعدادات فنية غالبية الكليات تفتقرها كونها أيضا تتطلب كلفا عالية، وتخفيض نسب النجاح في التوجيهي أيضا لم تؤد مطلقا لتوجه الطلبة لهذا التعليم المرفوض جملة وتفصيلا في ثقافة مجتمعنا المحلي، الأمر الذي جعل الآلاف يعيدون التوجيهي للحصول على معدلات أعلى، كلها أدوات أثبتت فشلها وغيرها من الأدوات التي لم تحدث أي خطوة إيجابية بهذا الخصوص، الأمر الذي يتطلب وضع استراتيجية تبنى من جديد بأسس علمية اجتماعية اقتصادية والأهم عملية - الدستور 

اوائل - توجيهي .

أحدث الأخبار