د. سرى سبع العيش
دأبت الجامعات في بلدنا الأردن ومنذ تأسست على تدريس العلوم المختلفة بما فيها الطب والهندسة والزراعة والفيزياء والكيمياء باللغة الإنجليزية بدلا من اللغة العربية القومية المجيدة, متعذرة ومستنصرة بعاملين غير مقنعين وغير دقيقين الأول عدم توفر الكتب والمراجع العلمية باللغة العربية, والثاني الإدعاء بعدم وفرة المصطلحات العلمية باللغة العربية مع أن القانون الأردني يقر بأن لغة التعليم في الجامعات هي اللغة العربية.. فالكتب يمكن تأليفها إذا صح العزم باللغة العربية مع وجود العدد الكبير من الأساتذة الجامعيين والمترجمين الثقاة المختصين بشتى العلوم وبخاصة في كليات الطب وكليات الهندسة المختلفة والذين يتقنون اللغة الإنجليزية. أما المصطلحات الطبية العلمية فليس من العسير تكوينها وإعدادها وهنالك لجنة في مجمع اللغة العربية مختصة بوضع وترجمة المصطلحات الطبية الجديدة. وهنالك أيضا لجنة تهتم بتشجيع الترجمة والتأليف العلمي باللغة العربية. ولدينا الآن الكثير من المعاجم وأهمها المعجم الطبي الموحد الذي ظهرت طبعته الأولى في سبعينات القرن الماضي, وبفضل جهود العديد من الأطباء المخلصين أمثال الدكتور هيثم الخياط مقرر الطبعة الرابعة ومساهمة العديد من الأساتذة الأطباء من مختلف البلاد العربية ومنهم الأردنيون صدرت الطبعة الأخيرة تحت رعاية الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, واتحاد الأطباء العرب وقد احتوى المعجم الطبي الموحد أكثر من مائتين وخمسين ألف مصطلح طبي وتشريحي وبه ترجمات للرموز والاختصارات الطبية ومرادفات للأوزان والمقاييس. فهل بقي هنالك عذر..؟ أما المثال الذي ذكره د. محمد حسين بريك, في مقالته الجيدة «نعم للغة العربية في التعليم الجامعي» في صفحة آراء في جريدة الرأي بتاريخ 2 آذار 2016 عن تفوق الأطباء العرب الذين درسوا الطب بلغة عربية عند تخصصهم في ألمانيا على الأطباء العرب الذين درسوا الطب باللغة الإنجليزية فقد كان قد حدث مثله قبل أكثر من أربعين عاما في بريطانيا عندما نجح في التخصص في طب العين من كان قد درس الطب بالعربية وتفوق على من كان قد درس الطب في البلاد العربية باللغة الإنجليزية. لأن العربية سائغة مفسرة فصيحة تيسر استيعاب العلم والتفقه به وهي الهوية والدثار الذي لا يجوز التخلي عنه وكلما أتقنها العربي سهل عليه إتقان اللغة الإنجليزية, أو غيرها من اللغات الحية التي يكتب بها العلم في عصرنا هذا..إذن نحن بأيدينا نعسر ونصعب عملية التعلم على أبنائنا في الجامعات ونساهم في التأخر وشح الإبداع, وفقر المنجز العلمي, والتقاعس عن الكتابة العلمية والارتقاء في البحث العلمي, بوضع حواجز اللغة الأجنبية, أمام عقول الدارسين والمتعلمين. وقد ذكر الكاتب بلال حسن التل, في نفس الصفحة في ذات اليوم إن السبب الرئيس الذي استدعى قيام الثورة العربية الكبرى هو التتريك الذي فرضه « الإتحاد والترقي» في الهزيع الأخير من عمر الدولة العثمانية وأراد به طمس الهوية العربية وتحقير وإهمال اللغة العربية. فعلينا أن نعلم الأجيال الناشئة وطلاب الجامعات بخاصة بأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولا ينفصل الإسلام عنها وهي التي احتوت حضارة الأمة العربية في الزمن العربي الإسلامي وأنها كانت سيدة اللغات ومعلمة الدنيا وناشرة العلم وحاضنة الثقافة والمؤلفة الموحدة للشعوب العربية في أصقاع الوطن العربي. وذات زمان عندما كانت كتب الطب العربية والموسوعات الطبية كالحاوي والمنصوري للرازي»من الأهواز» والقانون لابن سينا»البخاري» والمنتخب في طب العين لعمار الموصلي,»العربي «, وفردوس الحكمة, لابن الطبري «الطبرستاني»,والتصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي» الأندلسي» والكافي في الكحل, لخليفة بن أبي المحاسن «الحلبي» والمهذب في الكحل, لابن النفيس» الجرشي» هي عماد المكتبات في الجامعات الأوروبية والكليات الطبية في بادوفا, وأوكسفورد وبرلين. إن الأمم تعتز بلغاتها وتحاول إحياءها والتعلم والتحدث بها, وكذلك اللغات تعز وتزدهر وتنمو وتتقدم بعزة وهيبة أهلها, لذلك لا يرضى الروسي ولا الفرنسي ولا الإيطالي, ولا الأسباني, ولا الصربي ولا التركي ولا اليوناني, ولا حتى الأمازيغي أو الكردي, أو الإسرائيلي التخلي عن لغته والتباهي بتعليم أطفاله في الطفولة الأولى بلغات مغايرة للغة الأم. فكيف يستهين العرب ويتنازلون عن لسانهم العربي المبين..! وكيف يستبدلون اللغة الإنجليزية أو الفرنسية بلغتهم العربية العظيمة بالتدريس العلمي في كلياتهم وجامعاتهم بل حتى في بعض رياض الأطفال والمدارس وعلى امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج..!- الرأي.
اوائل - توجيهي أردني .