رومان حداد - لا أستطيع بمقال واحد أن أعالج التشابكات الأليمة لمعضلة التعليم، ولكن سيكون هذا المقال فاتحة لمقالات أخرى تتعاطى مع هذا الموضوع الحيوي والحساس في آن بصورة تحاول خلخلة حالة العطب وفكفكة الأسئلة للوصول إلى فهم ممكن لأرضية مشتركة لنا كمجتمع أردني لحل المعضلة والانطلاق إلى الأمام. تبرز حالة التعليم كسؤال مقلق على المستوى الوطني، هذا السؤال الذي لم نتوافق على الإجابة عليه، وذلك لعدة أسباب يمكن من خلال طرحها بصورة مجتمعة أن نعرف لماذا ما زلنا واقفين لم نتحرك بصورة واضحة وفاعلة لإنجاز الضروري من عملية الإصلاح التعليمي. حين نستعرض التعليم الحكومي في الأردن يتبادر السؤال الأول لأذهاننا وهو متى سقط التعليم الحكومي، في الأردن ولم يعد حاضناً معرفياً وفكرياً وتعليمياً للطبقة الوسطى، ومتى صار طارداً لهذه الطبقة؟ والسؤال المجاور للسؤال السابق والذي يُطرح بالتزامن معه هو متى فقد المعلم دوره كقدوة لطلابه، ومتى فقد ثقته بدوره الذي كاد من خلاله أن يصير رسولاً؟ أما السؤال الثالث الذي لا يتم طرحه فهو متى فقدت المدرسة كمؤسسة دورها التنويري بالإضافة إلى دورها المعرفي عبر عمليتي التعليم والتعلم؟ السؤال الذي يشغل بال من يتعاطون مع سؤال التعليم اليوم هو هل المناهج المدرسية بصورتها الحالية تتواءم مع متطلبات العصر الحالي، وتسلح الطلبة بالمعرفة الضرورية لكي يواجهوا بقوة التحديات التي تفرضها الحياة الحديثة؟ أما السؤال الغائب عن فضاء النقاش العام حول التعليم فهو أين يقع دور الأسرة في العملية التعليمية والتعلمية، وهل الأسرة الأردنية بتركيبتها الحالية قادرة على استيعاب التغيير المطلوب أم هي أحد العوائق أمام تطوير العملية التعليمية والتعلمية؟ تقديم الإجابات الضرورية على الأسئلة السابقة المطروحة على طاولة النقاش أو المغيبة عنه ضروري لتجاوز المرحلة الحالية من المراوحة بالمكان، وبالتالي فالإجابة المقدمة يجب أن تكون منهجية وقادرة على إدراك أن المطلوب من سؤال التعليم المطروح هو إحداث نقلة نوعية بأدوات ثورية ولكن دون تهشيم المجتمع والقفز عن مخاوفه، وتقسيم الأردن إلى فريقين هدف كل منهما الانتصار على الآخر، مع تغييب فكرة ضرورة الانتصار للأردن. هذه المعركة الإصلاحية الاجتماعية عبر بوابة المعرفة لها محدداتها وإمكاناتها وشروطها الاجتماعية بالإضافة لشروطها المعرفية، وعلى الجميع أن يتعامل باتزان مع المخاوف المطروحة دون الاستهانة بها عبر عدم الالتفات لها أو تسفيهها، فكل من يطرح مخاوفه على شكل أسئلة يجب أن يجد الإجابة المقنعة لها، وكل من يقدم تصوره كإجابات قاطعة لا بد من تحديه بأسئلة تهز يقينه القاطع. ما نتعامل معه ليس انقلاباً كما يسلك العديد ممن يدعون مناصرتهم للحالة التنويرية والمعرفية، وكذلك فهو ليس انتصاراً للدين والقيم والعادات والتقاليد في مواجهة مجموعة من الزناديق ومعادي الدين، ومن سيدمرون القيم والمبادئ التي يقوم عليها الأردن، فما نريد القيام به هو عملية ثورة من الداخل تعيد للجسد الحياة لنصبح قادرين على الفعل والتفاعل مع العالم الحديث. بداية يجب الوصول إلى توافق مجتمعي حول مجموعة من الحقائق وهي أن مخرجات التعليم الحكومي اليوم هي في أسوأ مراحلها، وهو ما ينعكس سلباً على شبابنا من كلا الجنسين، بحيث يكونون أقل قدرة تنافسية في سوق العمل، وهو ما يقود إلى سلسلة من النتائج السلبية التي ستؤدي إلى إضعاف وطننا الأردن الذي من المفترض أننا جميعاً نتفق على أن قوته ومتانته هي ما نصبو إليه. فضعف القدرة التنافسية لدى خريجي المدارس الحكومية سيمنعهم من الاستفادة من توسع القطاع الخاص الذي بات مولداً مهماً للوظائف في الأردن بعد تراجع قدرة القطاع الحكومي على توليد الوظائف، وكذلك فإن معدل الرواتب في القطاع الخاص أعلى منها في القطاع الحكومي، وتعطي فرصة لمن يدخلون القطاع الخاص بالتطور الوظيفي بتسارع أعلى منه في القطاع الحكومي. وبالتالي ستزداد مطالبة هؤلاء بضرورة توسع القطاع الحكومي ليستوعبهم، مما يزيد من أعباء الميزانية العامة، ويجعل الدولة حالة مصابة بالعطب والقطاع الحكومي قطاعا أقل حظاً بسبب عدم كفاءة الموظفين ، وهو ما يهدد على المستوى المتوسط الحالة الوجودية للدولة، كما أن الذهاب في درب التوظيف المتضخم سيقلص قدرة الدولة على استيعاب الطلبة غير الكفؤين تدريجياً، وهو ما سيشكل حالة خذلان لدى هؤلاء من دولتهم، وربما صرنا بعض ملامحها اليوم، وهو ما سينعكس تدريجياً على حالة الانتماء للوطن، وهو ما سيكون بداية لخلل اجتماعي سياسي لا نحب أن نعرف خواتيمه. وللحديث بقية...- الرأي .
اوائل - توجيهي .