كتب: عمر محارمة لا يمكن فهم البيان الصادر عن نقابة أصحاب المدارس الخاصة الأسبوع الماضي والذي تضمن التلويح «بطرد» 100 ألف طالب من المدارس الخاصة إلا محاولة للضغط على وزارة التربية والتعليم والاستقواء عليها بمصلحة الطلبة. بيان النقابة هذا هو في الحقيقة اعتراف ضمني منها بأن ممارسة الضغط واستخدام النفوذ لم تفلح هذه المرة بتعطيل إصدار النظام الذي كان واحدا من أهم الملفات التي تناقلها وزراء التربية والتعليم منذ عقود ثلاثة على الأقل، حتى جاء الوزير الحالي لحسم الموضوع واتخاذ خطوة فعلية فيه دون الالتفات للضغوط التي تمارس عليه. ملف التعليم المدرسي ملف كبير وشائك، ولعل أبرز معضلاته هو بروز التعليم الخاص كواحدة من الحاجات الأساسية لدى المواطنين في ضوء التراجع المستمر الذي شهده التعليم الحكومي خلال العقدين الأخيرين. الاستثمار في التعليم الخاص أصبح واحدة من أفضل وأهم وسائل تحقيق الأرباح المالية، ويقدر بعض المتابعين ان حجم الاستثمارات في هذا القطاع فاقت المليار دينار أردني، وهو ما يفسر مقدار الضغوط وحجم النفوذ الذي يمتلكه المستثمرون في هذا القطاع. سلطة المال المستثمرة هنا لا تريد عقبات أو عراقيل تعطل برامجها وخططها، حتى لو كان ذلك تشريعا تنظيميا يصنف المدارس ويضمن وصول المواطنين إلى حقهم في الحصول على تعليم جيد بسعر مناسب، فالمستثمر الذي اعتاد رفع الرسوم وقتما شاء و بقدر ما يشاء لا يريد أية سلطة قد تعيق تقديراته الذاتية. النقطتان الأساسيتان اللتان تثيران حفيظة أصحاب المدارس الخاصة هو تحديد النظام لنسبة الزيادة المسموح بها على الرسوم المدرسية بـ 5% سنويا ووفق مبررات توافق عليها الوزارة وحظر قبول أي مدرسة لعدد من الطلبة زيادة على الطاقة الاستيعابية المحددة في الترخيص. ولعل الاعتراض على هاتين النقطتين يكشف بشكل صريح عن الدوافع التي تقف خلف معارضة مالكي المدارس الخاصة الشديدة للنظام الجديد، فأساس الاعتراض مادي بحت، وهدفه الاستفراد بالطلبة وأولياء أمورهم وتركهم لسياسة السوق دون مراعاة أن الهدف الأسمى للمؤسسات التعليمية هو توفير تعليم ملائم للأجيال المتعاقبة. النظام الجديد للمدارس الخاصة لن يطبق بأثر رجعي وفق وزارة التربية والتعليم على المدارس القائمة والمرخصة حسب التعليمات السابقة ولا يوجد لديها مخالفات، وهو ما يثبت أن المعترضين على النظام هم إما المخالفون لما جاء فيه أو العازمون على ارتكاب مخالفات تتعلق بالرسوم والطاقة الاستيعابية . الوزارة تؤكد أنها مستمرة على مدار العام بإصدار التراخيص اللازمة للمؤسسات التعليمية الخاصة باستثناء المدارس المخالفة للنظام وعددها (45) بسبب قبولها الأعداد الزائدة من الطلبة عن الرخصة الممنوحة لها خلافاً لزعم نقابة أصحاب المدارس الخاصة في بيانها عن توقف إدارة التعليم الخاص عن تجديد تراخيص المدارس الخاصة ورياض الأطفال منذ الأول من شهر حزيران عام 2015، والتي قال انها 250 مدرسة خاصة. ومن الواضح إن المخالفات سجلت في كبريات المدارس الخاصة التي تجتذب أعدادا اكبر من الطلبة رغم تصاعد الرسوم المستمر فيها، وهو أمر لا يمكن إغفال أن التميز في الجانب التربوي والتعليمي سبب فيه، لكن عراقة المدرسة ونجاحها لا يمكن أن يسمحا بخروجها على النظام والقوانين بل من المفترض أن تكون مثل هذه المدارس هي الأقرب إلى الالتزام بها. المتابعة الميدانية لوزارة التربية والتعليم كشفت ان بعض المدارس قائمة في تجمعات صناعية وحرفية وتجارية وعمارات وشقق سكنية لا تتوافر فيها البيئة المدرسية الآمنة، ولا يوجد بها ساحات كافية أو مناسبة مع وجود مداخل مشتركة مع رياض الأطفال في البناء إضافة إلى قبول وتسجيل الطلبة وتعيين المعلمين قبل استكمال إجراءات التأسيس والترخيص. وهذه جزء من قائمة مخالفات طويلة تكاد لا تخلو منها الا قلة قليلة من المدارس الخاصة، فكيف يراد لوزارة التربية أن تسمح بمثل هذه التجاوزات وهي ترفع لواء إصلاح التعليم. لا شك أن التعليم الحكومي تعرض للعديد من المعيقات التي أثرت على مستواه ودفعت عشرات آلاف الطلبة لمغادرته نحو التعليم الخاص، لكن العملية الإصلاحية القائمة في وزارة التربية والتعليم منذ سنوات ثلاث تؤتي أكلها بدليل الزحف العكسي من التعليم الخاص نحو الحكومي والذي أثار حفيظة مستثمري قطاع التعليم الخاص. قضية الاعتراض على نظام المدارس الخاصة الجديد يتوجب ان تفتح الباب لنقاش جديد حول أسباب وصول التعليم الحكومي إلى مستوياته التي تردت إلى حد كبير خلال السنوات الماضية، فنظرية المؤامرة قد لا تكون مستبعدة خصوصا ونحن نشهد بأم أعيننا عدد المتنفذين والمسؤولين التربويين الذين استثمروا في التعليم الخاص. سرعة انحدار التعليم الحكومي في العقدين الأخيرين وقوة الشد العكسي التي تواجه عملية إصلاح قطاع التعليم المدرسي تكشفان بوضوح أن التعليم المدرسي الحكومي كان ضحية مؤامرة تشارك فيها أباطرة المال مع رجال السياسة والإدارة - الدستور .
اوائل - توجيهي أردني .