طب

 عادل محمد الوهادنة

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات غير مسبوقة في مجال التعليم الطبي، يبدو أن الأردن يقف عند مفترق طرق في هذا المجال الحيوي. بينما يتسارع الابتكار الطبي والتطور التكنولوجي لمواكبة الأوبئة العالمية والتحديات الصحية المتزايدة، يتعين على التعليم الطبي في الأردن تحديد موقعه في هذا السباق العالمي. فهل النظام التعليمي الطبي في الأردن مستعد لاستيعاب هذه التحولات؟ وكيف يقارن مع الدول الرائدة في هذا المجال مثل كندا، الولايات المتحدة، وألمانيا؟ هذه الأسئلة تتطلب فحصا معمقا للواقع الحالي وتقديم مقارنات دقيقة مع الأنظمة التعليمية في الدول المتقدمة.

متلك الأردن واحدة من أقوى الأنظمة التعليمية الطبية في المنطقة، حيث تُخرج كليات الطب الست في الأردن أكثر من 2.000 طبيب سنويا. ومع ذلك، فإن هذه الأرقام لا تكفي للحديث عن استعداد حقيقي لمواجهة المستقبل، إذ تظهر الدراسات أن حصة التعليم التكنولوجي في برامج كليات الطب الأردنية لا تتجاوز 5 % من المناهج الدراسية. مقارنة بذلك، في كندا، حيث تُعد المناهج التعليمية الطبية من بين الأكثر تطورا، تشكل المناهج الرقمية والتكنولوجيا الصحية نحو 25 % من المناهج التعليمية في الجامعات الطبية الكبرى.

 

عند النظر إلى جودة التعليم الطبي في الأردن، يظهر أن المنهج الحالي يعتمد بشكل أساسي على الأساليب التقليدية والسريرية، التي لا تشمل بشكل كاف المواضيع الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، البيولوجيا الجزيئية، والطب الشخصي. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تُدمج تقنيات مثل المحاكاة الجراحية والروبوتات الطبية في المناهج الدراسية بنسبة تتجاوز 30 %، وهي النسبة التي تُعتبر ضرورية لتأهيل الأطباء لمواكبة التحديات الطبية المستقبلية. هذه الفجوة الواضحة في النسب تشير إلى الحاجة الملحة لتطوير المناهج الطبية في الأردن لتشمل المزيد من التقنيات الحديثة والمهارات الرقمية. الأبحاث الطبية: الفجوة الكبرى في مجال الأبحاث الطبية، يُظهر الأردن فجوة واسعة عند مقارنته بالدول المتقدمة. حصة الأردن من الأبحاث الطبية المنشورة عالميا لا تتعدى 0.02 % من إجمالي الأبحاث العالمية، في حين أن الدول ذات الأنظمة التعليمية الطبية المتقدمة، مثل هولندا (3 %) والولايات المتحدة (3.5 %)، تسهم بشكل أكبر بكثير في تطوير الأبحاث الطبية العالمية. من حيث التمويل، تُخصص الحكومة الأردنية نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الإجمالي لدعم الأبحاث الطبية، حيث لا تتجاوز هذه النسبة 0.34 %، وهي نسبة منخفضة للغاية مقارنة بالمعدل العالمي الذي يصل إلى 2.63 % في الدول المتقدمة. على سبيل المثال، في سويسرا، يُخصص حوالي 3.5 % من الناتج المحلي لدعم الأبحاث الطبية، مما يجعلها من بين الدول الرائدة في هذا المجال. هذه الفجوة في التمويل تؤثر بشكل كبير على قدرة الأردن على إجراء أبحاث طبية مبتكرة تساهم في معالجة القضايا الصحية العالمية مثل مقاومة المضادات الحيوية أو الأمراض المزمنة. بينما لا يُنفق سوى 0.34 % من الناتج المحلي في الأردن على الأبحاث، تنفق الولايات المتحدة أكثر من 3 % من ناتجها المحلي على الأبحاث الصحية. هذه الفجوة في التمويل تشير إلى ضعف الاستثمار في الأبحاث الطبية التي تعد الأساس للتقدم العلمي في هذا المجال. جدوى الاستثمار في التعليم الطبي وفقا لدراسة اقتصادية حديثة، أظهرت النتائج أن الاستثمار في التعليم الطبي يُعد من الأنشطة الاقتصادية المجزية. حيث يُحقق كل دينار يُستثمر في التعليم الطبي عائدا يصل إلى 5 أضعاف في حال استثمار الأموال في التكنولوجيا الصحية وتحديث المناهج. في هذا السياق، أظهرت الأبحاث أن تقنيات المحاكاة الجراحية والواقع الافتراضي في التعليم الطبي قادرة على تقليل الأخطاء الطبية بنسبة تصل إلى 40 %. على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن برامج المحاكاة الجراحية التي تُستخدم في دول مثل ألمانيا قد ساهمت في تقليل الأخطاء الجراحية بنسبة 35-40 %، مما يساهم في تحسين مستوى الرعاية الصحية بشكل عام. في المقابل، ما تزال الجامعات الطبية الأردنية تفتقر إلى هذه التقنيات الحديثة التي تساهم في تعزيز فعالية التدريب الطبي. تُظهر دراسة أخرى أن الطلب على الأطباء الذين يمتلكون مهارات تكنولوجية قد تضاعف في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه حتى عام 2030. على سبيل المثال، في كندا، يتوقع أن يزداد الطلب على الأطباء الذين يمتلكون مهارات في الذكاء الاصطناعي بنسبة 60 % بحلول عام 2030، في حين أن هذا الاتجاه قد يتضاعف في دول الخليج العربي، حيث تتسارع الجهود لتطوير الأنظمة الصحية الرقمية. ماذا يجب أن نفعل؟ من أجل ضمان أن التعليم الطبي في الأردن قادر على التكيف مع متطلبات المستقبل، يجب اتخاذ خطوات استراتيجية عبر عدة محاور رئيسية: زيادة الاستثمار في التعليم التكنولوجي يجب رفع نسبة المناهج التي تركز على التكنولوجيا إلى 15 % على الأقل بحلول عام 2028. يجب أن تشمل هذه المناهج الذكاء الاصطناعي، الروبوتات الجراحية، والطب الشخصي. إطلاق صندوق لدعم الأبحاث الطبية: يهدف إلى مضاعفة حصة الأردن من الأبحاث المنشورة عالميا بحلول عام 2028، وزيادة التمويل للأبحاث الطبية إلى 1 % من إجمالي الناتج المحلي. التعاون مع الجامعات العالمية  يجب زيادة برامج التعاون والتبادل مع الجامعات الكبرى في مجال التعليم الطبي، مثل التعاون مع جامعة هارفارد أو جامعة أكسفورد، بهدف نقل التكنولوجيا والمعرفة الحديثة إلى الأردن. تطوير التشريعات يجب تحديث التشريعات الوطنية لضمان أن اللوائح التنظيمية للتكنولوجيا الطبية والابتكارات في مجال الصحة تتماشى مع التطورات العالمية. بينما يمتلك التعليم الطبي الأردني قاعدة صلبة، فإنه يتطلب تعزيزا كبيرًا في مجال التكنولوجيا والبحث الطبي لضمان الاستعداد لمستقبل يعج بالتحديات والفرص. إذا لم نتحرك الآن، فإن الفجوة بيننا وبين الدول المتقدمة ستتسع، مما يهدد قدرة الأردن على الحفاظ على مكانته كمنارة طبية إقليمية. يتعين على الأردن أن يستثمر في التعليم الطبي التكنولوجي، ويعزز من دوره في الأبحاث الطبية، ويواكب التطورات الحديثة في مجال الرعاية الصحية من أجل الحفاظ على تفوقه في المستقبل.

أحدث الأخبار