أكد خبراء تربويون، أن الأرقام "الصادمة" حول واقع التعليم في الأردن، التي أعلنتها جلالة الملكة رانيا العبدالله خلال كلمتها في حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، أول من أمس، يجب أن تكون حافزا للعمل والتغيير.
وقالوا في حديثهم لـ"الغد" أمس، إن مسألة تراجع التعليم "ليست بسيطة وعلينا مواجهة هذه الحقيقة كوننا لا نبحث عن إصلاحات شكلية وإنما عن إصلاحات شاملة تعالج الاختلالات من جذورها".
وبينوا أن التعليم الجيد هو "ركن أساسي من أركان التنافس في المجتمعات والشعوب، كون التعليم الصحيح هو المحرك الرئيسي للإبداع والإنجاز والتفوق، وبدون وجود تعليم متميز لن تستطيع الدول أن تتميز اقتصاديا وتكنولوجيا".
وكانت جلالة الملكة رانيا العبدالله قالت في كلمتها إن "80 % من طلاب الثاني والثالث الابتدائي هم دون مستوى مرحلتهم في القراءة، في حين أن طلاب المرحلة الابتدائية في الأردن متأخرون في مادة الرياضيات".
وأضافت جلالتها: "نصل إلى الصف الثامن، لنرى أن تقييم الأردن في اختبار التميز الدولي للرياضيات والعلوم لم يتحسن في الدورتين الأخيرتين، بل تراجع، ثم في الصف العاشر، نجد أردننا الطموح ضمن الدول العشر الأواخر في اختبار (البيزا) من أصل ست وخمسين دولة".
وأشارت إلى أنه "بالرغم من الجهود التي تبذل في تطوير وإعادة هيبة امتحان التوجيهي، إلا أن نتائجه غير مرضية، فالعام الماضي ترفع 100 ألف طالب للصف الثاني عشر، وأقل من 60 ألفا تقدموا لامتحان الثانوية العامة، نجح منهم 40 % فقط، ما يعني أن من بين كل أربعة طلاب على مقاعد الدراسة في الصف الثاني الثانوي يتخرج أقل من واحد من الثانوية العامة! ونتائج هذا العام اتبعت نمطا مشابها".
وفي هذا الصدد، أكد وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور إبراهيم بدران، أن أي استراتيجية أو خطط أو تغيير أو تطوير يجب أن تقوم على أرقام حقيقية وليس على افتراضات عامة غير محددة.
وأضاف بدران أن "ما ورد في خطاب جلالة الملكة رانيا العبدالله حول الأرقام الصادمة فيما يتعلق بالتعليم يجب أن يوضع بهذا الشكل حتى نشعر أن المسألة ليست سهلة أو بسيطة".
وقال إن "تراجع التعليم ليس مسألة بسيطة، بل يجب أن نقرأ الأرقام ونتدبرها ونشعر بالصدمة إزاءها، حتى تكون هذه الصدمة حافزا لنا للعمل وللتغيير، وجميع البلدان التي دخلت في مشاريع تحديث، سواء تحديث التعليم أو الاقتصاد، وضعت الأرقام على حقيقتها مهما كانت صادمة وغير مألوفة أمام صانع القرار، حتى يدخل إلى جوهر الموضوع وليس إلى الإصلاحات الشكلية".
وأضاف: "نستغرق وقتا طويلا ونحن نتحدث عن الإصلاح التعليم، لأن هناك مشكلتين، الأولى أن التعليم والعلم والمعرفة بحد ذاتها تتطور وبالتالي نحن بحاجة إلى التغيير والتطوير، حتى نكون في مستوى الحداثة العلمية والتعليم، والثانية أن التعليم الجيد هو ركن أساسي من أركان التنافس في المجتمعات والشعوب، لأنه التعليم المحرك الرئيسي للإبداع والإنجاز والتفوق، وبدون وجود تعليم متميز لن تستطيع الدول أن تتميز".
وزاد: "إذا نظرنا إلى دول العالم نجد أن التي لديها تعليم متميز هي دول متميزة بالاقتصاد والعلم والتكنولوجيا، مثل فنلندا وسنغافورة واليابان، حيث تم إصلاح العلم فيها بشكل جذري، وبالتالي استطاعت أن تصل إلى المستويات التي نراها الآن، وهذا يعني أنه إذا كنا ننظر إلى أردن متميز قوي معتمد على ذاته، باقتصاد حيوي ديناميكي، فلا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال إصلاح التعليم".
وقال: "هناك دول بدأت عملية النهوض، مثل كوريا وماليزيا، اقتصاديا بالتوازي مع تحديث التعليم، ومن هنا لا مفر ولا بديل من أن تكون لدينا رؤية وطنية، أي استراتيجية وطنية، بهدف النهوض بالتعليم على أعلى مستوى".
وأشار بدران إلى أن عملية إصلاح التعليم، هي عملية طويلة وليس لمدة سنتين فقط، بل تستغرق في حدها الأدنى 10 سنوات، على غرار ما فعلته إيرلندا وفنلندا واليابان والصين والهند والبرازيل، وهذا يعني أنه يجب أن يكون عند الدولة الصبر والمثابرة للمرور بفترة الإصلاح حتى تنتقل إلى مرحلة جديدة".
وأضاف: "نحن في طبيعتنا قصيرو النفس وسريعو الملل، نعمل لفترة قصيرة ثم نتوقف، وبالتالي لا تتحقق الإنجازات".
وقال إن "الاستراتيجية أشارت بوضوح إلى أنها استراتيجية ستستمر 10 سنوات، حتى العام 2025، فنحن أمام استراتيجية وطنية لإصلاح التعليم وتطويره، سواء فيما يتعلق بالتعليم الأساسي أو الجامعي، والتركيز عادة يكون في كثير من الأحيان على التعليم الأساسي، باعتباره البداية لتكوين المجتمع، وعقل الإنسان يتكون ويتشكل في السنوات الأولى من عمره، وإذا لم يتم تشكيله بالأسلوب العلمي الصحيح الحديث، فيصعب عليه متأخرا أن يعدل ما أصابه من خلل أو انحراف، أو عدم اتباع المسار الصحيح".
وزاد: "التعليم العالي، وهو مكمل للتعليم الأساسي، يجب أن يتماهى مع الغايات الوطنية المطلوبة من التعليم، وهي تخريج طلبة مفكرين مبدعين متميزين لديهم العقل العلمي والنقدي، ولديهم القدرة على التحليل والتركيب والدخول إلى ساحات العمل".
وكشف بدران، عن أن الاستراتيجية شاركت في وضعها 16 لجنة تضم 230 خبيرا من مختلف الاتجاهات والتخصصات، وبالتالي هي تعبر عن رؤية وطنية بدرجة كبيرة من المعرفة، لأنها حصيلة إسهامات خبراء في التعليم والتنمية البشرية لمختلف المؤسسات الأكاديمية في القطاعين العام والخاص، حيث استفادت الاستراتيجية من الدراسات والاستراتيجيات والتقارير السابقة، وبالتالي يمكن القول إنها تسلك الاتجاه الصحيح وتمثل الرؤية الوطنية المتوافق عليها إلى حد كبير.
بدوره، قال الخبير التربوي ذوقان عبيدات، إن الاستراتيجية "شملت عددا من الأبعاد التربوية، أبرزها المناهج التعليمية، حيث ناقشت اللجنة عددا من الأفكار الحديثة حول المناهج، ومن أبرزها التركيز على أهمية إنتاج المعرفة من خلال التفكير الإبداعي والناقد، ومهارات البحث العلمي".
وأضاف عبيدات أن "تطوير تدريس التربية الإسلامية يتم من خلال التركيز على جذب المتعلم وتعميق فهمه للدين وعلاقته بالأديان الأخرى، وعرض المناهج بأسلوب علمي يركز على قيم المواطنة واحترام الآخر، وحقوق الإنسان وكرامة المرأة وحقوقها".
وأضاف عبيدات أن الاستراتيجية أولت اهتماما بتطوير شخصية الطالب بما يضمن قدرته على التفكير والانفتاح العقلي والشك في الافتراضات ووضع الفروض، وقدرته أيضا على اتخاذ القرار وإدارة الوقت واحترام التعددية وبناء الذات، كما أكدت أهمية الاتصال والحوار وحل المشكلات وزيادة مهارة الطالب في مواجهة الفكر المتطرف.
وأشار إلى أن الاستراتيجية "بنيت على واقع المناهج وضرورة ربطها بحاجات الطلاب والمجتمع، وطالبت بالانفتاح على العالم والمشاركة في الحضارة الإنسانية".
واعتبر أن "نجاح الاستراتيجية ليس مرتبطا فقط بأفكارها، بل بإجراءات تنفيذها، بإرادة صادقة لكي لا تكون ملفا يضاف إلى ملفات سابقة، ومن المهم أن نفكر بطرق جديد بعيدة عن الروتين الحكومي، فالحكومة لم تنجح إطلاقا في تنفيذ عمليات كبيرة، فهي عادة ما تتأثر بسرعة تغير المسؤولين".
وقال إن "الاستراتيجية مرهونة بأدوات تنفيذها، خاصة وأن جلالة الملكة رانيا العبدالله طالبت بإيجاد هيئة وطنية للمناهج، تعكس حاجات المجتمع للنمو والتطور، وهذا كان من أبرز توصيات لجنة استراتيجية تنمية الموارد البشرية".
من ناحيته، قال أمين عام وزارة التربية والتعليم الأسبق فواز جردات: "نحن في الأردن بحاجة إلى مثل هذه الاستراتيجية من زمن طويل، وكنا نتمنى أن تكون هناك استراتيجية تكون بمثابة خريطة طريق لتنمية الموارد البشرية العاملة في وزارة التربية والتعليم".
وأضاف جرادات: "الاستراتيجية لا بد أن تكون شاملة ومتكاملة، وفق رؤية واضحة تحدد الكوادرالبشرية التي تحتاجها وزارة التربية والتعليم لمدة 10 سنوات مقبلة، من معلمين ومرشدين وغيرهم".
وبين أن ما يميز هذه الاستراتيجية اهتمامها بموضوع تدريب المعلمين قبل الخدمة في الوزارة، من خلال إنشاء مركز تدريب معتمد محليا وإقليميا وعالميا، ليقوم بتدريب الكوادر البشرية التي ستعمل في الوزارة، بحيث يتم تدريبهم وفق رؤية وحاجات الوزارة.
ولفت إلى أهمية أن تكون مدة التدريب التي يخضع لها المعلمون مناسبة، وأن تتبعها تطبيقات عملية في الميدان بحيث لا يقتصر التدريب على الجانب النظري فقط.
وأشار إلى ضرورة تدريب هؤلاء المعلمين على استخدام التكنولوجيا في التعليم، ثم بعد الانتهاء من فترة التدريب، على الملتحقين بالبرامج التدريبية أن يخضعوا لامتحان حقيقي تشرف عليه جهة متخصصة تقوم بتقييم المعلمين، ومن يجتاز الامتحان يستطيع أن يلتحق بالوزارة.
ولفت إلى أن الملكة رانيا العبدالله أكدت في خطابها على مهننة التعليم، أي جعله مهنة، انطلاقا من أن أي شخص يريد أن يمارس عملا، ينبغي أن يحصل على رخصة مزاولة مهنة، كما في المجالات الأخرى.
وأوضح أن الاستراتيجة "اهتمت ببرامج التدريب قبل الخدمة، بحيث يجب أن تكون تلك البرامج جادة ومتطورة ومرنة تستجيب لمتطلبات العصر، إضافة إلى تدريب المعلمين العاملين الآن في الوزارة، لأن هؤلاء ينقصهم الكثير من التدريب".
وأكد ضرورة إجراء دراسة لتحديد مستويات المعلمين، وتعيين احتياجاتهم التدريبية، وبناء برامج وفق هذه الاحتياجات، بناء على ما تم تشخيصة من جوانب قصور وضعف، وفي هذه حالة نستطيع أن نلبي حاجات النظام التعليمي الأردني وتنميتها وتعزيزها، قبل وأثناء الخدمة، مع ضرورة متابعة هذه الاستراتيجية لكي تحقق جميع اهدافها".الغد
أوائل-توجيهي أردني