عمان - امام فرع نقابة المعلمين في معان، تجمع أول من أمس المئات من طلبة المدارس وأولياء أمورهم ومعلمين، لتمزيق وحرق الكتب المدرسية الجديدة، مرددين شعارات ترفض تغيير المناهج، وتندد بوزارة التربية والتعليم، وتتهمها بـ"تحريف وتشويه المناهج". الوقفة الاحتجاجية ضد المناهج، التي اتت بعد اجتماع لفرع النقابة في معان، اثارت استياء العديد من التربويين والناشطين في مجال حقوق الطفل، لجهة اقحام الأطفال وحشدهم مع اتجاه معين، فضلا عن تشجيعهم على استخدام العنف في التعبير عن ارائهم، حيث اظهر الفيديو وجود معلمين في مكان الاعتصام، دون ان يتدخلوا لوقف السلوكيات السلبية، فيما تؤكد مصادر مطلعة انه تم تشجيع الطلبة من قبل بعض المعلمين على تمزيق الكتب. وتأتي هذه الحادثة بعد سلسلة من الأحداث والاحتجاجات على تعديل الكتب المدرسية، كامتناع معلمين عن تدريس الكتب الجديدة، فضلا عن انتشار رسوم كاريكاتورية تستهزئ بالوزارة وبلجنة المناهج، فضلا عن الاساءة لشخصيات تربوية. مقابل هذا الاستياء، يؤكد الناطق الإعلامي باسم نقابة المعلمين أحمد الحجايا أن "لا علاقة للنقابة أو المعلمين بمشاركة الأطفال في حرق الكتب، وان ما تم هو وقفه عفوية للطلبة، تحديدا لطلبة الصف العاشر احتجاجا على كتاب اللغة العربية". وقال الحجايا، ردا على سؤال "الغد" إن "النقابة تستخدم الطرق القانونية والسلمية في التعبير عن الرأي، ولسنا مسؤولين عن أي تصرف من أي فرد، سواء الطلبة أو أولياء الامور، لكننا نتفهم تعبيرهم عن غضبهم من المناهج المشوهة". وحول الاعتصام الذي ستنفذه النقابة اليوم أمام وزارة التربية، وإن كان سيشارك به طلبة، قال الحجايا إن "الاعتصام سيكون للهيئة المركزية للنقابة فقط، وبعد ساعات الدوام، لكن من يرغب من المعلمين والمجتمع المشاركة فهو مرحب به". في السياق، اعرب خبراء في مجال الطفولة عن قلقهم من تحشيد الأطفال وإدخالهم في سجال المناهج، معتبرين انه "رغم ان الأطفال هم المعنيون بالدرجة الأولى بالمناهج، ويجب ان يكون رأيهم في العملية محط اهتمام، لكن استغلال الأطفال بهذه الطريقة، يعد امرا مرفوضا تربويا بشكل تام، لما له من آثار سلبية على التنشئة". وتقول الباحثة في سياسات الهوية الوطنية والجندر الدكتورة وفاء الخضرا لـ"الغد" إن "الطلبة هم المعنيون بالدرجة الأولى بالعملية التربوية والمناهج، وبالتأكيد يجب الاخذ برايهم في تطوير العملية التربوية والتعليمية". وتابعت "للأسف عند بحث وإعداد الكتب لم يتم الأخذ برأي الطلبة، لكن لاحقا عندما احتدّ الخلاف والجدل حول المناهج، تم استغلال الأطفال وتجييشهم ضد المناهج والكتب، عبر القيام بسلوكيات غير لائقة بحق الأطفال". وزادت الخضرا "لا يعرف الطلبة حقيقة طبيعة هذه التعديلات، تم اعطاؤهم معلومات من جهات لديها اجندة معينة، وافكار معينة، وبناء على ذلك خرج الطلبة منفعلين، وقاموا بسلوكيات غير صحيحة تربويا، كحرق وتمزيق الكتب، واطلاق الشتائم". وتحذر الخضرا من الاثر السلبي لهذه السلوكيات، التي لقن او دفع اليها الأطفال، في التعامل مع قضايا الرأي والرأي الاخر وحرية التعبير والمعارضة، "حيث تم تلقين الأطفال ان التعبير عن الرأي لا يأتي سوى عبر التصرفات العنيفة كالحرق والشتائم". وتابعت "لدينا فرصة ذهبية لمراجعة العملية التعليمية والتربوية، من المؤسف أن يتم اختطاف هذه الفرصة لتكون محطا للخلافات السياسية". واشارت إلى ان تحديات العملية التربوية "كبيرة"، منها الحاجة لتطوير المناهج، ومعالجة اشكاليات النقص والكفاءة لدى المعلمين، وتنمية المهارات الحياتية لدى الطلبة، وتعزيز النشاطات الرياضية والفنية. وقالت "هناك حاجة لمحاسبة وملاحقة كل من يعمل على استغلال الطلبة في حراك سياسي، أو في أي عمل دون ان يكون هناك وعي كامل لدى الطفل لطبيعة الحدث". ويتفق الخبير في قضايا حقوق الطفل، والمستشار لدى منظمات الأمم المتحدة في مواجهة العنف، الدكتور هاني جهشان مع سابقته، ويقول إن "مشاركة الأطفال في مثل هذه الانشطة تنعكس بصورة سلبية على سلوكهم مستقبلا وعلى إتجاهاتهم، وتشكل أنتهاكا لحقهم بالتعبير الحر عن آرائهم". ويحذر جهشان لـ"الغد" من ان "يشكل الزج بالاطفال في هذه المظاهرات خطرا يشحن عواطفهم بالحقد والكراهية ضد الأخرين، كما أن وجودهم في بيئة إكتظاظ بشري، فيها مخاطر على السلامة العامة وأمن المواطنيين هو أيضا إنتهاك لحقهم بالصحة والحياة والأمن". كما ان ذلك يمتد لإنتهاك حقهم بالصحة النفسية حيث أثبتت المراجعة العلمية المعرفية أن مشاركة الأطفال في مثل هكذا مسيرات أو مظاهرات لها عواقب نفسية سلبية، بعيدة المدى على صحتهم النفسية، بحسب جشهشان، الذي يوضح ان مشاهدة العنف المرافقة للمسيرات والهتاف المشحون بالجمل السلبية نحو الآخرين "يرسخ في نفوس الأطفال سلوكيات سلبية وعدوانية، قد تمتد لتظهر في حياة الطفل عقب عدة سنوات". وتابع: "يتوجب على الدولة منع أطفالنا، كل اطفال الوطن، من المشاركة في المظاهرات والمسيرات، وبنفس الوقت العمل عبر برامج على دعم حقهم بحرية التعبير، التي ضمنتها إتفاقية حقوق الطفل، بما يتناسب مع مرحلة نموهم وتطورهم، بما في ذلك إحترام حقوق الأخرين وحب الوطن وإحترام المواطنة والمساوة، وبذلك نصل إلى ممارسة حق الطفل بالتعبير بحرية وآمان بعيدا عن الإنفعالات السلبية وبالحفاظ على حياتهم وصحتهم الجسدية والنفسية". ورأى جهشان أن ثمة "مسؤولية" على نقابة المعلمين ووزارة التربية في نشر ثقافة التعبير عن الرأي، وتحقيق المطالب المشروعة والعادلة من خلال الحوار والقنوات القانونية. وقال "حماية الأطفال في هذه الظروف ليس له علاقة بالمطلق بالموضوع السياسي، أو بتفاوت الآراء حول المناهج، وليس متعلقا بحرية التعبير، مشاركتهم تضعهم في ظروف تشحن عواطفهم سلبيا، وتتصف بالعنف وكراهية الآخرين، وتشكل عوامل تهدد أمنهم وسلامتهم".
أوائل - توجيهي أردني