عمان- فور الانتهاء من الامتحان وما أن يسلم الطالب ورقته ويفرغ كافة المعلومات التي حفظها عليها، وبعد مرور أيام قليلة يشعر الطالب بأن المعلومات كلها لم تعد موجودة في عقله، ولا يتذكر منها شيئا على الإطلاق، وكأنه كان في مهمة وهي حفظها فقط لحين موعد الامتحان والتخلص منها فيما بعد. وهو الأمر الذي يتعارض كلياً مع الفكرة من التعلم، ولا يحقق الهدف الحقيقي من التعليم على الإطلاق، وهو ما أكد عليه خبراء بأن هذه الطريقة تؤدي إلى عدم وجود تعلم ذي معنى، ويلجأ الطالب إلى الحفظ الآلي بدون معرفة المعنى أو المغزى من المعلومة، وإنما مجرد الحصول على التحصيل الأكاديمي وتجاوز الامتحان. وهذ ما اعتبره الاختصاصيون  من أكبر عيوب التعليم وهو أن يتم إعداد الطالب للامتحانات والاختبارات فقط، وتحقيق تحصيل عال من خلال ذاكرة وقتية ومؤقتة تنتهي بمجرد تسليم ورقة الامتحان. وفي هذا الشأن يرى اختصاصي المناهج وأساليب التدريس في الجامعة العربية المفتوحة الدكتور عيسى الحسنات أن هذا الأسلوب يؤدي إلى عدم وجود تعلم ذي معنى، بحيث يحصد الطالب العلامة ولا يتعلم من خلال هذا الأسلوب. فهو يحصد المعلومة بدون تعلمها، لأن التعلم ليس ذي قيمة له، ويقوم بعض المعلمين بتقزيم المعرفة في إطار المستوى الأول، وهو مستوى التركيز في مستويات نظام “بلوم” التربوي، وهذا النوع يفقده الطالب بعد الاختبار مباشرة ومدة الاحتفاظ به، لا تتجاوز الشهر الواحد بحسب الدراسات. لهذا هناك دعوة دائمة إلى إشراك أكبر عدد ممكن من الحواس في التعلم ونقل المعرفة من معرفة حفظية نصية حرفية إلى تطبيقية أو تقييمية. ويشير الحسنات إلى أن التعلم في إطار التطبيق أو المستويات العليا في “بلوم” يجعل الطالب متعلما نشطا قادرا على حل المشكلات وتطبيق المعرفة والإبداع فيها. وفي ذلك تذهب اختصاصية المناهج الدكتورة روناهي المجدلاوي إلى أن الاختبارات والامتحانات التحصيلية تشكل تحديًّا ومعيقًا للمتعلمين عن تطوير قدراتهم العقلية وتوظيف ما تعلموه في حياتهم، وأبرز تلك العيوب هي أن الطلبة يتذكرون هذه المعلومات عن طريق الحفظ الآلي، بدلا من الحفظ القائم على المعنى والفهم الحقيقي لها، أو اكتساب قدرة على تطبيق المعلومات والأفكار التي يحفظونها. ومثل هذا الحفظ الآلي من غير فهم، هو أحد العيوب الشائعة في تصميم خبرات التعلم في المناهج، ما يجعل الذاكرة وقتية ومؤقتة عند السؤال للامتحان، وهذه أكبر عيوب المنهاج عندما نعد الطلبة للامتحانات والاختبارات والأصل إعدادهم للحياة ليكونوا مواطنين فاعلين ومنتمين لوطنهم وأمتهم. وهذا أشبه ما يكون بعملية الإيداع في البنك حسب ما يطلق عليها التربوي البرازيلي “باولو فريري” النظرية البنكية (Banking Theory)، فالمعلم يحشو المعلومات في أدمغة الطلبة ويودعها ثم في وقت الامتحانات تسحب هذه المعلومات من ذاكرة الطالب الوقتية وتودع في ورقة الامتحان، وتمسي ذاكرة الطالب خاوية على عروشها والأصل في أن يتذوق الطالب هذه المعرفة أي تصبح جزءًا أصيلا من شخصيته وتُترجم في سلوكه وتصرفاته، وكما يقول سكنر “تغيير السلوك يتطلب تغيير العقول”. وثمة إشكالية أخرى في الذاكرة الوقتية مرتبطة بتعلم المعلومات يتصل بالمعنى، فهناك عدد كبير من الطلبة يظهرون معدلا سريعا لنسيان المعلومات بعد تعلمها. وقد بينت الدراسات أن معظم منحنيات النسيان لمعلومات معينة تشبه إلى حد كبير منحنيات نسيان مقاطع الكلمات التي لا معنى لها والتي نشرها ميومان Meumann في القرن الماضي. وينسى الطلبة عادة 50 % من المعلومات التي اكتسبوها بعد عام من انتهائهم من دراسة مقرر معين و75 % من المعلومات بعد مرور عامين. وتضيف مجدلاوي أنه ثمة إشكالية أخرى مرتبطة بالتنظيم، فكثير من الطلبة يتذكرون المعلومات في صورة أجزاء منعزلة أو منفصلة بعضها عن البعض الآخر، ويعجزون عن ربط هذه الأجزاء في صورة منظمة وإدراك العلاقات المختلفة بينها.  إلى جانب إشكالية أخرى هي كثرة الأخطاء والغموض فيما يسترجعه الطلبة من معلومات، وقد بينت دراسات التعلم أنه كلما ازداد تفتيت المعلومات، قل احتمال تذكرها، وازدادت نسبة الأخطاء فيما يسترجعونه من معلومات. والإشكالية الأخيرة أن الطلبة لا يتوفر لهم عادة الإلمام الكافي بمصادر المعلومات الصحيحة والحديثة، وهم يحتاجون إلى قدر كبير من هذه المعلومات خلال دراستهم ومعالجتهم لبعض المشكلات المعاصرة، ولذلك فمن الضروري أن يعرف الطلبة مصادر الحصول على معلومات صحيحة يعتمد عليها. هذا وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن نسبة الطلبة القادرين على معرفة مصادر الحصول على مثل هذه المعلومات فيما يتصل بالموضوعات والمسائل التي يدرسونها في المدرسة لا تزيد على 20 %. وفي ذلك يرى الاستشاري الأسري أحمد عبدالله أنه ليس هناك شيء حقيقي وعلمي اسمه ذاكرة مؤقتة وغير مؤقتة، فالذاكرة واحدة، والمختلف هو عملية إدخال المعلومات للدماغ، حيث أن عملية التعليم بالأسلوب التلقيني تجعل المعلومات سطحية وغير عميقة، والتدريس بالأسلوب العملي التطبيقي هو الذي يجعل المعلومات مخزنة وراسخة في الذاكرة. الأمر الآخر يعود إلى أهمية المعلومة في حياة الطالب، فعملية التدريس التي تتم بدون إشعار الطالب بأهمية المعلومات التي يتلقاها في حياته اليومية والمستقبلية ستكون بالنسبة للطالب معلومات غير ذات أهمية، وبالتالي فترة وجودها في الذاكرة لا تتعدى دقائق الامتحان.

أوائل - توجيهي أردني

أحدث الأخبار