كتب: الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة -
العمل الأكاديمي في كل دول العالم قوامه النزاهة والحيادية وأساسه العدالة والشفافية كيف لا وهو مناط بمراكز ومؤسساته الجامعية أن تغرس قيم عليا لدى الطلبة بحيث تصبح مفاهيم مثل الاستقامة والإخلاص والعدالة والحيادية واحترام الرأي والرأي الآخر قيم وسلوكيات واقعية لدى الناشئة ،وليست فقط مفاهيم نظرية مجردة يتم التشدق بها في الخطابات واللقاءات في حين أن الواقع السلوكي للمسئولين في الجامعة يتناقض مع محتوى ومضمون هذه القيم .هذه القيم والسلوكيات هي ما تميز أداء العاملين في الجامعات عامة وأعضاء هيئة التدريس على وجه الخصوص بالمقارنة مع الكوادر العاملة في المؤسسات البيروقراطية الحكومية .فأعضاء هيئة التدريس في الجامعات وكذلك رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء تتحول على أيديهم مدخلات العملية التعليمية إلى مخرجات تذهب إلى سوق العمل ،وتشكل علاقة المدرسين بالطلبة علاقة تربوية تستند إلى الثقة والموضوعية والإنصاف .فعلامات الطلبة قضية غاية في الأهمية لما تعكسه من تقييم أداء الطالب ومدى امتلاكه للمعارف والمهارات والاتجاهات المتوقعة منه .من جانب آخر فإن علامات الطلبة تمثل شرف الأستاذ المدرس للمادة تماما مثلما يمثل الحكم في المحكمة شرف القاضي ،وكذلك مثلما يمثل سلاح الجندي شرفا له لاستخدامه دفاعا عن ثغور الوطن.
المقلق في الموضوع هي تلك الأخبار المتواردة تترا عن شبهات تحوم حول تدخل رئيس جامعة رسمية مرموقة في رفع علامات ابنته في الجامعة ، حيث تم الضغط على أحد أعضاء هيئة التدريس ورفع علامات ابنة الرئيس بشكل واضح مع أن علامات الطالبة المذكورة السابقة ضعيفة جدا .ملفت أن يتم التأثير على أعضاء هيئة التدريس من خلال نائب الرئيس وتم رفع العلامة مما تسبب للأستاذ المعني بحرج شديد وتناقض مع القيم العليا التي يؤمن بها ويطبقها على بقية الطلبة ، والأدهى والأمر من ذلك هو أن رئيس الجامعة المذكورة مناط به أن يراقب العلمية التعليمية والتأكد من سيرها وسويتها وعدالة التعامل مع الطلبة.
نعم ظاهرة مقلقة دفعت ببعض الأساتذة الذين شعروا بحنق شديد وتجاوز من قبل رئيس الجامعة دفعهم ذلك للتواصل مع دائرة مكافحة الفساد وعندما علم الرئيس بذلك اتخذ اجراء استباقي حيث بادر لتشكيل لجنة للتحقيق في الموضوع .يا ترى كيف يمكن أن يشكل الرئيس لجنة للتحقق أو التحقيق في قضية خطيرة إذا كان هو مشتبه بأنه طرف فيها ؟كيف يمكن أن تدين اللجنة التي شكلها الرئيس كيف يمكن أن تدين الرئيس أو نائبه؟ أعتقد بأن على وزير التعليم العالي إيلاء هذا الموضوع أهمية خاصة وبشكل عاجل وأن يتم تشكيل لجنة مستقلة من قبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي تتكون من مختصين وليس إداريين وذلك للتحقق من هذه الشبهات .في القضاء إذا تم الشك بأن أحد القضاة متحيز أو يستخدم صلاحياته للتنفع أو التربح أو تحقيق مكاسب شخصية له أو لأحد أعضاء عائلته يتم إقالته فورا نظرا لقدسية القضاء واحترامه بأعين الناس والمجتمع فكيف إذا كان الأمر يتعلق برئيس جامعة تخرج القضاة في المحاكم؟
القضية جد خطيرة يا وزير التعليم العالي ولا أعتقد أن هناك قضية أكثر أهمية من هذا الفعل الذي إذا ما ثبت فإنه يؤشر إلى الاعتداء السافر على القواعد السلوكية والأكاديمية وأخلاقيات العملية التعليمية والإدارة الجامعية .المطلوب تشكيل لجنة تحقق يتم على أساسها البدء بالتحقيق بمجريات هذه الشبهات التي إذا ما ثبتت فإنها تؤذي كرامة كل عضو هيئة تدريس في الجامعة كما تفسد العلاقة بين المدرسين والطلبة الذين ينظرون لمدرسيهم كمثل أعلى في الحيادية والعدالة وأن علاماتهم تستند لأدائهم فقط وليس لامتيازات آبائهم وذويهم فهل يستجيب وزير العليم العالي!!!
أوائل - توجيهي أردني