طلب حكيم من أحد تلاميذه أن يحمل كوب ماء ويحافظ عليه بدون أن تنسكب منه قطرة واحدة ، وياخذ جولة في الغابة ، قام التلميذ بجولته في الغابة وكان تركيزُه كاملًا على كوب الماء ، فتمكن من الحفاظ عليه دون أن ينسكب ، وقتها طلب الحكيم من تلميذه إعادة القيام بالجولة والمحافظة أيضًا على الماء بالكوب ولكن طلب أمرًا إضافيًا أن يحدد أجمل 3 شجراتٍ بالغابة ، فلما أنهى التلميذ جولته وأخبر الحكيم عن أجمل 3 شجرات ، ردّ الحكيم : ما أخبار الماء في كوبك ؟ طبعًا كان الكوبُ شبه فارغ .
حينما تتعدد أهدافنا في المهمة الواحد نفقد الدقة والتركيز ، ولذا لا يمكنك الدراسة وعقلك مشغولٌ بنتيجة مباراة ، لا يمكنك التركيز مع شرح المعلم وأنت تجلس بجانب النافذة تراقب الطلاب بالساحة ، التركيز : الاهتمام بأمرٍ واحدٍ خلال الوقت الواحد ، وهذه عملية شاقة ومتعبة ، خاصةً مع الأجيال التي تعودت على استخدام منصات التواصل الاجتماعي ، فمدة المقطع القصير (reels) على فيسبوك لا يتجاوز الدقيقة غالبًا ، بمعنى أنّ المستخدم تعرض عليه 60 مقطع تقريبًا بالساعة الواحدة ، وهذا يجعلنا نملّ إذا مارسنا العمل نفسه لفترة طويلة .
التركيز في الدراسة يبدأ بوجود هدف محدد يسعى له الطالب ، أما في المدرسة فالتركيز مع المعلم بالعقل لا بالنّظر ، فلا أهمية أن أنظر تجاه المعلم وعقلي سرحانٌ بأمور خارج الحصة ، التركيز يكون باستحضار الوعي ، أفكر وأناقش وأتفاعل مع الدرس ، وقد يتطلب الأمر مني القيام بعدد من الأمور لزيادة تركيزي :
1. اجلس بالمقدمة : الصفوف الأمامية تساعد على زيادة التركيز
2. اكتب مع المعلم : هذا يجعلني أركز أكثر في المفاهيم التي نناقشها بالحصة
3. شاركْ وتفاعلْ بالحصة : بتوجيه الأسئلة للمعلم ، الإجابة على الأسئلة ، المشاركة بالحوارات والنقاشات
4. ابتعادك عن زميلك اللعوب : زميلي في الصف قد يكون سببًا للتشتت ، فأجلس بجانب من أرى فيه الاهتمام الكبير
5. استعدادك الكافي للمدرسة : أبتعد عن السّهر ، أستقيظ باكرًا ، راجعتُ الدروس السابقة حتى أتمكن من فهم درس اليوم
6. راقب نفسك : طبيعي أن يسرح الإنسان ، لكن ألا تسترسل بالسرحان لفترة طويلة ، إذا سرحت فعليك أن ترجع وتركّز من جديد ، ولذا ستدخل في دائرة من المجاهدة للتركيز ، تركز ثم تسرح ثم تنبته أنّك سرحت فتعود وتركز فترة ثم تسرح وتنتبه وتقرر التركيز وهكذا .
مع الأيام ، تصبح فترة تركيزك خلال الحصة الصفية أطول ، وقدرتك على ضبط نفسك أفضل .
سأقصّ عليك موقفًا للصحابي : حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، في غزوة الأحزاب اختارهُ النبيّ الكريم للتسلّل خفية في جيش المشركين ، لمعرفة ماذا يخططون ، وأمرهُ النبي صلى الله عليه وسلم " انظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا " ، وتمكن بن اليمان من الدخول لاجتماع قادة الجيش ، وقتها كان سهلًا عليه أن يقتل قائد المشركين ، أو يشعل حريقًا بالمعسكر ، أو يأخذ بعضًا من أسلحتهم ، لكنه لم يفعل أيّ شيء سوى التركيز على أمر النبي الكريم " انظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا " ، سمع خطتّهم ، ثم عاد للنبي الكريم وأطلعه الخبر ، كان تركيزُ بن اليمان حاضرًا ، فاستطاع تنفيذ مهمته بلا تشتت أو ارتباك