موقع الأوائل - إبداعات في مجالات مختلفة تتكرر يوميا بين صفوف الطلبة، فالتفكير الإبداعي مستمر بما أن هنالك جيلا محبا لمواكبة التطور الحاصل في القطاعات كافة، وتبقى الإنجازات الحقيقية لمن يستطيع الصبر والمتابعة ليثبت حقيقة اختراعه أو اكتشافه في أي من القطاعات سواء؛ الطبية، التكنولوجية، الاجتماعية، الرياضية، الاقتصادية.
ونور الدين إبراهيم الزرقان من بين هؤلاء الشباب الذي ما يزال يسعى رغم صغر سنه وبتشجيع من أهله، من أجل الوصول إلى من يدعم حلمه في مجال الطب ويوصله للعالمية، والمتمثل في التوصل إلى علاج يؤدي إلى وقف النزيف لدى المرضى.
الزرقان ذو السبعة عشر عاماً، والذي هو حالياً على مقاعد الثانوية العامة، ظهرت لديه منذ الصف السابع ميول علمية، وبخاصة أنه من عائلة لها تجارب في مجال الاختراعات، فشقيقاه عبد الرحمن ومحمد حصلا على براءة اختراع لجهاز يحمي النباتات من مخاطر الصقيع.
قصة توجهات نور الدين الطبية، بدأت عندما شاهد مسلسلا طبيا بعنوان “هاوس”، وأثارت فضوله وشغف البحث في عقله تلك الحلقة التي تحدثت عن مشاكل النزيف الذي يفضي إلى الموت، لعدم وجود طريقة حتى الآن يتم فيها إيقافه، وهو بالفعل ما يحدث في حالات الحوادث اليومية التي تحدث في حياتنا.
لذا قرر الزرقان أن تكون له بصمة في هذا المجال، وأن يكون من بين الباحثين عن طريقة علمية لعلاج وإنقاذ مرضى النزيف أياً كان سببه، ومن ثم بدأت رحلة البحث والتحري والدراسة منذ الصف الثامن، بالتزامن مع متابعة دروسه؛ حيث كان متفوقاً في المدرسة.
وخلال البحث في هذا المجال، اكتشف الزرقان المواد التي يمكن أن يستخدمها الطب في مجال وقف النزيف وعمل تجلطات للدم تمنعه من الاستمرار بالنزف، وكان من بين أبرز هذه المواد “كلوريد البوتاسيوم”، وكيفية التخلص من الآثار الجانبية لهذه التركيبة من خلال أدوية معينة.
وعن مجريات وتفاصيل البحث، يوضح زرقان أنه قام بتصميم “مركب كيميائي للمساعدة في تسريع عملية التجلط في الجروح الخارجية”، بحيث يخفض وقت التجلط من خمس دقائق لمدة تقارب 90 ثانية، مشيرا إلى أن استخدامات البحث متعددة وتغطي العديد من المجالات منها؛ العسكرية والمنزلية والرياضية، عن طريق استخدام “كلوريد البوتاسيوم” كعامل تجلط محلي، وهو علاج دائم للمرضى الذين يعانون من بطء عملية التجلط كمرض رئيسي أو كعرض جانبي لاستخدام الأدوية مثل مرضى السكري.
والبحث، كما يقول الزرقان، مبني على بحث سابق لمجموعة علماء فرنسيين توقفوا عند مشكلة تسبب التركيب الدوائي باضطرابات في ضربات القلب وعدم انتظامها.
ويبين الزرقان “في البحث الحالي، قمت بافتراض آلية جديدة لإيصال الدواء عن طريق الجلد للمنطقة المصابة، مع تجنب التسبب بعدم انتظام ضربات القلب، والهدف هو إيجاد تركيبة دوائية جديدة تعتمد على (كلوريد البوتاسيوم)”.
وبتشجيع من قبل أخوة الزرقان ووالديه وممن اكتشفوا فيه هذه الموهبة والفكرة “الإبداعية” لديه، قرر الزرقان أن يتوجه للمشاركة في مسابقة “إنتل” في قطر الخاصة بطلبة المدارس، وشجعه المحيطون على تلك الخطوة علها تكون نقطة البداية له في عالم الاختراعات التي قد ترفع اسم الأردن عالياً في المجال الطبي.
وكان للزرقان شرف المشاركة في المسابقة، وحاز اختراعه الطبي على إعجاب لجنة التحكيم، ويستذكر الزرقان أحد الحكام في اللجنة الذي قال له “سأهاتفك يوماً ما وأبارك لك اختراعك الذي سيكون له بصمة في العالم بأسره”؛ إذ إنه قام بعمل التجربة “حاسوبياً” ودراسة التفاعلات؛ إذ أثبت نجاح التفاعل والعلاج بما نسبته 95 %، إلا أن ذلك لا يغني عن التجربة العملية ليتم اعتماد ذلك.
ولعدم وجود تجربة عملية أمام اللجنة، لم يفز الزرقان بأي من المراكز الأولى، وكان السبب عدم وجود تجربة عملية فقط وليس لعدم صحة الاختراع، فقد تقدم الزرقان بالبحث “ورقياً” بدون توفر مواد يقوم بتجربتها أمام اللجنة، بيد أن هذا الأمر لم يمنع الزرقان من الاستمرار والعودة إلى الأردن باحثاً عن جهة داعمة تقدم له العون في إثبات بحثه عن طريق التجربة العملية، وكان في الصف العاشر الأساسي آنذاك.
ومما فاجأ الزرقان خلال مشاركته في مسابقة “إنتل” الشرق الأوسط في قطر وجود عدد كبير من الطلبة الأردنيين الذين لهم مجموعة كبيرة من الاختراعات التي تفتقر في غالبيتها إلى التجارب العملية، التي يتم إثباتها أمام اللجان، وذلك لغياب الدعم لهم، وعدم توفر الإمكانيات والمواد التي يمكن أن تساعدهم على ذلك.
وبعد عودته من قطر، ينوه الزرقان إلى أن رئيس جامعة الطفيلة التقنية الدكتور شتيوي العبادي، سمح له باستخدام المختبر الخاص به، لعمل تربة عملية للعلاج الذي اخترعه، إلا أنه ولعدم توفر المواد لم يكن ذلك متاحاً له، مبيناً أن تكلفة تلك المواد لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار، ولا يمكن لأي شخص أن يوفرها بشكل شخصي، بل من خلال مركز علمي معتمد أو الجامعات.
وعن دور صندوق دعم البحث العلمي الأردني في تجربته، فقد تفاجأ الزرقان “بالرفض” لأسباب عدة أبرزها “أن الباحث غير متخصص”؛ أي أنه ليس طالباً في كليات العلوم المختصة في مجال العلوم والأدوية كما في الطب أو الصيدلة أو الفيزياء، وهو سبب “غير دائم”، كما يقول، كونه يسعى إلى إكمال الثانوية العامة والتوجه لدراسة الصيدلة ليتمكن من تحقيق حلمه في حصوله على براءة الاختراع في هذا المجال.
كما أن سبباً آخر أسهم في رفض تقديم الدعم له، وهو “أن طريقة كتابة البحث ركيكة”، ويعلل زرقان ذلك بأنه كتب كامل البحث بنفسه باللغة الإنجليزية، وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من العمر، لذلك من الممكن أن تكون الطريقة ركيكة ولكن النتائج في الحقيقة سليمة ومدروسة.
ويتمنى الزرقان على الجهات المختصة بأن يكون هناك نوع من الدعم للشباب الأردني في المجالات كافة واحتضانهم، فهم لديهم القدرة على بناء وطنهم ورفع علمه عالياً في عالم الاختراع والتطور، حتى لا يبحث الشباب عن أبواب أخرى تؤمن لهم الدعم واستنزاف طاقات شباب الوطن، وقتل الإبداع في كثير من الأحيان.
ويسعى الزرقان إلى أن يكون له ولوطنه اسم في العالم، بعد أن يُنهي متطلبات الاكتشاف العملي في مجال وقف النزيف، وأن يواجه العالم بقدرات “شبابنا” في الأردن، معربا عن حبه واعتزازه بوالديه وإخوته الذين لم ينفكوا وهم يبحثون له عن الدعم، وبأنه لن ينسى دموع والدته عندما لم يتم دعم بحثه من قبل صندوق دعم البحث العلمي الأردني.
اوائل - توجيهي أردني