الدكتور ذوقان عبيدات - يحوي العنوان ثلاث قضايا: الأولى: قضايا في مناهجنا!، والصواب هي قضايا غابت عن مناهجنا، فالتفكير الناقد سمة شخصية، والثقافة الإعلامية صبغة شخصية، ومناهجنا امتلأت بثقافة الهوية، وثقافة الماضي، والماضي المقدس. والماضي سواء كان مقدساً كما يعتبره بعضنا، أو غير مقدس، فالمطلوب من الطلاب حمله كله، دون نقاش. والا لماذا تستحضر مناهجنا هذا الماضي؟ هل من أجل أن تفكر به؟ أو نفكر فيه؟ التفكير بالماضي، يعني أننا نضعه معياراً ونحكم على حاضرنا، بل ومستقبلنا، بموجبه! فما ناسب الماضي فهو جيد، وما اختلف عنه فهو رديء! أو ليس كل بدعة ضلالة؟  والتفكير في الماضي، يعني العودة له، نقداً وتمحيصاً واستخلاصاً، وربما قبولا أو رفضاً، وهذا ما لم تخطط له مناهجنا، وحسناً فعلت، لأننا بحاجة للتفكير بالمستقبل، وفي المستقبل وأدواته. والثانية: التفكير الناقد، وهو مهارة تحليل وتمحيص وإثارة أسئلة، ومناهجنا لم تحفل بهذه المهارة، بل امتلأت بغير ذلك، مثل، الالتزام والتمثل، والحفظ والإعادة والتذكر. بل وأكثر من ذلك، تضع إجابة نموذحية، وتقولب الطلبة داخلها، وهذا ما يحدث في امتحاناتنا، وخاصة في امتحان التوجيهي. وبالمناسبة، لمن لا يعرف، فالامتحان جزء لا يتجزأ من المناهج الدراسية. إذن، مناهجنا مناهج هوية، عليك أن تكسبها، ومن ينقدها أو يفكر نقدياً في أي جزء منها، خرج منها، وتعرض لما يتعرض له الخوارج. والثالثة: الثقافة الإعلامية النقدية، وهي مهارة تمحيص ما يرد إلينا من رسائل، وقراءة هذه الرسائل، بما يمكّن الطالب من فهمها، وفهم أغراضها ودوافع مرسليها، فالطلاب يتعرضون يومياً لرسائل عديدة، من مصادر عديدة. فالأهالي يصدرون رسائلهم، وعلى الطلبة تمثلها سلوكاً وفكراً، والمناهج تصدر رسائلها وعلى الطلبة تمثلها سلوكاً وفكراً، والمعلمون يصدرون رسائل من منهج خفي، يتأثر بها طلابنا. والإعلام يقدم دعايات واعلانات جاذبة ومثيرة، تدخل الى طلابنا، قيماً ومعارف واتجاهات وسلوكاً. إزاء هذا السيل من الرسائل، ماذا نعمل غير مناهج ناقدة؟ ماذا نعمل غير مهارات التحليل والنقد وقراءة ما بين السطور، وتحليل النوايا والغايات، ومعرفة من الرابح من كل رسالة؟  إذن، هذه القضايا الثلاث متكاملة، أساسها الثقافة الإعلامية، وحاضنتها المناهج الدراسية، وأداة فهمها التفكير الناقد. وستركز هذه المقالة على الثقافة الإعلامية النقدية، او بالتحديد على إثارة وعي الطلبة بمضامين ما يتلقونه يومياً من رسائل اجتماعية وسياسية ودينية، واقتصادية، وثقافية وغيرها. فما المقصود بالثقافة الإعلامية؟ تعرف الجمعية الدولية لتكنولوجيا التعليم الثقافة الإعلامية، بأنها القدرة على قراءة الرسائل اليومية من أخبار وتسلية وترويح بما يمكن من فهم هذه الرسائل. فالرسائل الإعلامية لها وظائف ثلاث، هي نقل الحقيقة، تثقيف الجمهور، الترفيه والتسلية، فهي تعمل في مجال استثماري، سياسي، اجتماعي، يؤثر في الطلبة، ويساعد في صياغة أفكارهم ومشاعرهم، وقد يمتد إلى جيوبهم استهلاكاً وتنافساً. إن مصادر الرسائل الإعلامية، هي المناهج الدراسية وأدوات الإعلام، أما المجتمع فهو ضحية لهذه الرسائل، لأن الإعلام والمناهج يخلقان عالماً لنا ولأطفالنا، مجافياً للحقيقة، ولكننا نصدقه ونعيش فيه، بدلاً من عالمنا الحقيقي. فكما يصدق الطلبة معلميهم، حين ينقلون لهم الصواب والخطأ والحلال والحرام، كذلك يصدقون الإعلام حين يدعوهم لشراء أفضل سلعة، وزيارة أجمل موقع وحضور أفضل فيلم. وكما يمنعنا المعلمون من مناقشة مسلماتهم، يمنعنا الإعلام من نقد رسائله. وفي الحالتين، فإننا نحتاج الى التفكير النقدي. كيف ننقد نصاً أو رسالة؟ حتى لا يعتقد القارئ بأن الحديث عن الإعلام، فإننا نقصد بالنص أو الرسالة كل خبر أو حدث أو معلومة، تنقل إلى الطلبة عبر المنهج المدرسي، أو المنهج الخفي، أو المنهج الموازي بأنواعه ومصادره المتعددة. فالنصوص عادة تقدم للطالب كي يحفظها. من يحفظ عادة لا يناقش. فمؤلفو الكتب المدرسية مثلاً يحفظون معلومات، ويرغبون في نقلها كما هي، ولو ناقشوها ونقدوها لحذفوا كثيراً من جوانبها، ولذلك يضعون معلوماتهم كمسلمات يفترضون صحتها. ثم يطلبون من المعلمين نقلها كما هي، حيث يطلب المعلمون من الطلاب حفظها كما هي، فالعملية هي اجترار معلومات، لم يفحصها المؤلف، ولا المعلم ولا الطالب، والا كيف نفسر وجود نصوص مثل: - الاستخارة منهج علمي للوصول الى الحقيقة. - سكان الأردن مسلمون. - زكِّ كي تسلم او تحرق في نار جهنم (لأطفال صغار). - كتب لغة عربية ليس فيها نصوص إبداعية. - كتاب لغة فيه خمسة وثلاثون اسماً تراثياً قديماً لم يقدم نصاً حديثاً. - كتب تنقل نصوص رعب. - مسائل حسابية: اشترى، ربح، خسر. - عيش مشترك لا تظهر فيه سوى فئة واحدة. - حقوق إنسان تائهة.  والمطلوب هو فحص الرسالة عبر النص، ونقدها، وأقدم مثالاً: - يعرض الكتاب صورة ملونة ضخمة، تحت عنوان العيش المشترك، تظهر فيها صورة مسجد كبير جداً. كيف نقرأ الصورة؟ كيف ننقدها؟  إن علينا أن نثير أسئلة عديدة مثل: 1 - أسئلة حول التأليف: ما نوع الصورة؟ ما أجزاؤها؟ ما عناصرها؟ كم عدد من يشاهدها؟ كم عدد من انتجوها؟ 2 - اسئلة حول الشكل: ما ألواها؟ ما اللون الغالب؟ ما الكلمات التي احتوتها؟ ما زاوية التقاط الصورة؟ لماذا ظهرت خلفية الصورة هكذا؟ ما أدوات الاقناع فيها؟ هل هي صورة حقيقية؟ هل تم إدخال عناصر غير موجودة في الواقع؟ واخيراً وهو الأهم: هل تم حذف عناصر من هذه الصورة؟ 3 - أسئلة حول الجمهور: ما السلوكات التي يفترض أن يقوم بها المشاهد؟ ماذا تنقل هذه الصورة إلى الطالب؟ ماذا أخفت عن الطالب؟ ما تفسير الطالب لها؟ ما تفسير الآخرين لها؟ 4 - اسئلة حول المحتوى: ماذا تنقل هذه الصورة للطالب؟ ماذا يدور بذهن الطالب حين يشاهدها؟ ماذا ينقص هذه الصورة؟ ماذا يرغب الطالب أن يحذف منها؟ ماذا يرغب الطالب أن يضيف اليها؟ 5 - اسئلة حول الهدف: لماذا تم تقديم هذه الصورة؟ من المستفيد منها؟ من الخاسر؟ ماذا سيفعل المشاهد حين يراها؟ ما الرسالة الخفية التي تنقلها؟ إن هذه الاسئلة وغيرها تجعل من الطالب مثقفاً نقدياً وإعلامياً، تعكس وعيه بـ: عدم قبول أي نص دون مناقشة، الكشف عن طرق الآخرين في نقل الرسائل، الكشف عن التسويق والترويج، التمييز بين الحقيقة والرسالة. إننا نريد إنتاج طالب قادر على تفكيك النصوص أو الرسائل، فالطلاب يعتقدون أن ما في الكتب المدرسية حقيقة، وما ينقله التلفزيون حقيقة، وما يسمعه من أخبار حقيقة، ولذلك يستمعون إلى المعلم، وينقلون واجباتهم من الانترنت، ويتسوقون وفق الدعايات، ويشترون معجون الأسنان، الذي شاهدوا دعايته... الخ. على الطلاب أن يتعلموا عبر المنهج المدرسي، أن كل الرسائل موجهة، ولها أهداف وغايات، وأن وراءها أشخاص يريدون شيئاً ما، وان ما لم يقله المنهج والكتاب أكثر أهمية مما قاله!! وعلينا أن نتوقف في مناهجنا عن نقل مسلمات، نطلب من طلابنا الامتثال لها، فكل شيء يجب أن يخضع للنقد، ومن حق كل طالب ان يتعرف إلى وجهات النظر. في المقالة القادمة، سأقدم نصاً قرائياً، لنتعرف إلى طريقة تفكيكه وتحليله واستخلاص ما قاله وما لم يقله! - الغد .