مروان المعشر - أشفق على حال الطالب الأردني الذي ما يفتأ يُلقّن "حقائق" متناقضة؛ إقصائية في طرحها ومنغلقة على ذاتها. وقد عانى أولياء أمور الطلبة لأكثر من عقدين من كتاب الثقافة العامة للمرحلة الثانوية، قبل أن تلغيه وزارة التربية والتعليم من المنهاج بحجة علوه على مستوى الطلبة للمرحلة الثانوية (اكتشفت الوزارة هذا الأمر بعد عشرين عاماً). يفترض أن تكون الوحدة الأولى من الكتاب مقدمة لأصول الفلسفة، بينما هي في الحقيقة درس في التربية الإسلامية يحتوي على أربع وأربعين آية من القرآن الكريم. بالطبع، لا مشكلة في ذلك طالما لا تقدم الوحدة كدرس فلسفة خاصة وحين تتعرض الفقرات القلة للفلسفة بصورة غير مجردة وسلبية لا تمت للعلم بصلة وبطريقة تسفه التفكير النقدي والتمحيص. يتعلم الطالب في هذا الفصل "الفلسفي" عن شروط الاستخارة وعلاقتها بالمعرفة. كما يتم تقديم الابتكارات والاكتشافات والعلم الحديث بطريقة سلبية، وعلى أنها هي المسؤولة عن "إبعاد الناس عن الدين والعائلة والشرف والحب والصداقة"، وأنها جعلت الناس "أسوأ خلقاً". ثم يقال للتلاميذ إن "اكتساب العلم والحصول على التقنيات الحديثة، إذا لم يكن في الأصل أمراً جيداً، فهو بالتأكيد ضرورة للبقاء، ولهذا السبب، واجب على الجميع". ما المفترض أن يفهمه الطالب؟ أن العلم الحديث سيئ ولكنه ضروري؟ ثم يقال في مقدمة الكتاب إن التربية تهدف "للانفتاح على الثقافات الأخرى والتأثير الإيجابي فيها"! يعرّج الكتاب على المواطنة الصالحة، فيعلّم الطالب أن "المواطن الأردني يرتبط بوحدة الأرض ووحدة الأمة العربية ووحدة الفكر والثقافة ووحدة العقيدة الإسلامية، وكذلك ينطبق القول على المواطن السوري والمصري والمغربي، ولا سبيل للفصل بين الحلقات الثلاث". ماذا يفهم الطالب؟ أن المواطن الأردني والسوري والمصري غير المسلم ليس مواطناً كامل الدسم، لأنه لا سبيل له للفصل بين الحلقات الثلاث؟ وتذكر الوحدة ضرورة التسامح وقبول الآخرين من دون أن تأتي على ذكر مثال واحد عن هؤلاء الآخرين من المجتمع الأردني، كالمسيحيين والشراكسة مثلاً! يتعلم الطالب في الكتاب عن "رسالة عمان" وتعريفها الإدماجي الراقي الذي يشمل مختلف المذاهب السنية والشيعية، ويدعو إلى اعتراف المسلمين بعضهم ببعض، وعدم تكفيرهم للمذاهب الأخرى. ثم يسمع الطالب مسؤولين من الدولة يتكلمون عن منع الحسينيات السياحية الدينية الشيعية. أي تشويش نعطيه للجيل الجديد؟ هذه أمثلة يسيرة من المتناقضات التي يحفل بها الكتاب ومن أسلوبه الإقصائي؛ ينادي بقبول الآخر واحترامه، ثم يحجم عن ذكره أو يذكره بطريقة سلبية. الحمد لله أن العديد من الناس لم يعودوا يقبلون هذا الكلام. وقد نجحت الجهود التي قامت بها أقلام جريئة وتنويرية في تسليط الضوء على إقصائية المناهج وطمسها للتفكير النقدي، مثل ذوقان عبيدات وحسني عايش وزليخة أبو ريشة ودلال سلامة. من محاسن الثورات العربية أن تابوهات عدة تم كسرها، وأن محرمات لم يكن بالإمكان مناقشتها أصبحت اليوم على المحك. نحن بحاجة إلى حملة توعية وطنية لكشف ما يدرّس لأبنائنا وبناتنا، لأن وزارة التربية والتعليم لا تريد الاعتراف بالمشكلة على الرغم من خطورتها على مجتمعنا. ليس المطلوب تعديل كلمة هنا أو حتى سحب كتاب هناك، بل المطلوب فلسفة تربوية جديدة تعظم مفاهيم التعددية واحترام الآخر، وتعلم النشء مفهوم المواطنة المتساوية، ومهارات التفكير النقدي ودور التنوع في تعزيز الابتكار والإبداع، وليس ثقافة تقزّم الآخر وترسّخ الإقصائية. لا يبدو هذا الموضوع أولوية لدى الحكومة ووزارة التربية والتعليم، والأمل أن يتحرك المجتمع المدني حتى لا يبقى المستقبل مرهوناً بثقافة إقصائية منغلقة، ظهرت نتائجها جلياً في دول الجوار  - الغد .

أحدث الأخبار