هم الوحيدون الذين يرونه. قد تكون تحتسي القهوة في مكان عام، وتلاحظ أن مجموعة من الأشخاص تقترب فجأة منك، مصوبين كاميرات هواتفهم الذكية باتجاهك ومحركين أصبعهم على الهاتف بتردد عال وكأنهم يرمون صنارة لاصطياد سمكة. لا تفزع! فهناك احتمالية عالية هذه الأيام في أنهم لا يقصدونك شخصيًا، بل يتنافسون على امتلاك البوكيمون الافتراضي الذي يجلس قربك أو على طاولتك. مثل الحمى، انتشرت لعبة «بوكيمون جو»، حول العالم عندما أعلنت شركة Niantic إطلاقها قبل أسبوعين، في العيد العشرين لابتكار البوكيمونات الكرتونية. هذه اللعبة هي آخر إنتاجات قصص البوكيمون منذ أن ألفها مطوّر الألعاب الياباني ستاتشو تاجيري في ١٩٩٦، لتبدأ كلعبة نينتندو، ثم تنطلق الروايات المختلفة مسيطرة على العالم من خلال كتب وأفلام ومسلسلات كرتونية كثيرة غذّت شغف المهووسين بها عالميًا. هذه المرة، تخلط اللعبة بين الواقع الافتراضي والحقيقي. حيث تسمح للمستخدمين باصطياد البوكيمونات وتدريبها وامتلاك أكبر عدد منها في مواقع حقيقية دقيقة جدًا؛ ابتداءً من أسفل سريرك ومرورًا بمستشفى عام. ببساطة تعتمد اللعبة على خاصية الـGPS في هاتفك الخلوي. فتحدد موقعك وتظهر البوكيمونات على شاشة هاتفك حتى تصطادها. في أثناء تنقلك، ستظهر أنواع مختلفة من البوكيمونات حسب موقعك والوقت ومستواك، وكلما تطوّر مستواك تظهر أنواع أكثر ندرة. قد ينبهك هاتفك بأن هناك «بيكاتشو» في ساحة عامة بوسط البلد، لكن حتى تتملك بيكاتشو عليك ضربه بكرة بوكيمون، وتحريك هاتفك بحركة قنص باتجاهه. قد تدور المعارك أيضًا على الـGyms وهي مواقع تحددها اللعبة يمكن لبوكيموناتك أن تقارع بوكيمونات أخرى للسيطرة عليها. تتأثر أنواع البوكيمونات حسب البيئة والمناخ؛ فالبوكيمونات المتوافرة في البيئة الصحراوية غير تلك المتوفرة حول المساحات المائية. هذا التفاعل للعبة مع الواقع من خلال كاميرا الهاتف يسمى الـAugmented Reality أو الواقع المعزز. لكن كيف يتم اختيار أماكن البوكيمونات؟ حددت الشركة المواقع التي تريد أن تشملها في لعبة بوكيمون جو بناء على قاعدة بيانات أسستها الشركة نفسها للعبة سابقة سميت Ingress، إلى جانب خرائط جوجل التي توفر إحداثيات المواقع والتحديثات التي قد يضيفها لاعبون متطوعون. شملت هذه المواقع أماكن لأعمال فنية عامة أو مواقع تاريخية أو مبانٍ ذات طابع عمراني أو تاريخي مميز أو مواقع لشركات مميزة. في الأردن، كما في أماكن أخرى من العالم، لم ينتظر عاشقو البوكيمونات أن تعلن شركة Niantic إتاحة اللعبة في الأردن، إذ أنها حاليًا تتوفر، رسميًا، فقط في أستراليا والولايات المتحدة ونيوزيلندا. تشكلت الفرق الحمراء والزرقاء والصفراء التي تحارب بعضها للاستيلاء على القدر الأكبر من البوكيمونات، ومنها تشكلت صفحات الفيسبوك التي تجمع لاعبي «بوكيمون جو» في الأردن ويطلق من خلالها نداءات لقنص البوكيمونات وإرشادات للوصول إلى مناطق التعبئة وقوانين اللعبة. لاعتماد اللعبة على الفضاء العام والمشي والتجوال بالمدينة أفرادًا وجماعات، حدثنا مجموعة من اللاعبين المخلصين في الأردن عمّا تعلموه من خلال تجاربهم في ملاحقة البوكيمونات في شوارعها وعن الأماكن العامة والبنية التحتية في الأردن. حتى في توزيع البوكيمونات، المحافظات تعاني من التهميش يتفق العديد من اللاعبين على أن خرائط جوجل للأردن بدائية وبحاجة إلى تحديث. أكثر مواقع الأردن هي فنادق ومساجد. يجد عمرو في هذا مفارقة، فيقول: «المضحك أننا عندما كنا أطفالًا قالوا لنا أن البوكيمون حرام وعلينا التوقف عن متابعة المسلسل الكرتوني. الآن في هذه اللعبة، تتواجد الجيمز في المساجد بسبب الشح في التماثيل المشهورة أو النوافير العامة مثل البلدان الأخرى». أما حمزة، فقادته تجربته في اللعبة للقول: «للأسف أماكن مثل مجمّع الحسين للأعمال وهو مركز للتكنولوجيا، غير موجود على الخريطة أصلًا، وهو بقعة خضراء فارغة، وذلك بعكس متحف الأطفال وحدائق الحسين المليئة بالمواقع». تنعكس الفروقات الخدماتية بين العاصمة والمحافظات على أرض الواقع في مواقع الجيمز والبوكيمونات. فبينما يمكن لك أن تجد خمسة جيمز في منطقة كوسط البلد في عمان، فإن «الطفيلة لا تحتوى إلّا على جيم واحدة». يعزو تاج، وهو أحد اللاعبين، ذلك إلى تركيز اللعبة على المواقع المعرّفة على خرائط جوجل والتي تحدد من قبل مستخدمي الإنترنت الذين يوثقونها على الخرائط بصور. يروي أنس كيف أدت فرحته بظهور بوكيمون في الزرقاء إلى وقوع حادث، بعدما ضاق ذرعًا وهو يحاول الإمساك ببوكيمون في المدينة التي «تعاني من شح شديد في البوكيمونز». يكمل أنس: «وأنا أقود سيارتي متجهًا من دوار معصوم إلى الزرقاء الجديدة، فقدت وعيي عندما ظهر أحد البوكيمونات على الخريطة، دست على المكابح فجأة وتوقفت في وسط الشارع بشكل خاطئ طبعًا، مما أدى إلى تفاجُؤ المركبة التي كانت خلفي، والتي كان تقودها فتاة اصطدمت بمركبتي. الأمر المضحك أنني ظللت مكاني أحاول اصطياد البوكيمون، والفتاة نزلت لتوجه [لي] كلامًا متعجبة وهي في قمة غضبها». كما تروي محاولات الإمساك بالبوكيمونات شيئًا عن علاقة الـGPS بالشكل المعماريّ. يصف تاج عمان «بالغابة الإسمنتية». «فكل ما زادت كمية الأبنية عمومًا، والقديمة تحديدًا، كل ما زاد تشويش الـGPS، فلازم دايمًا تزرق من بين البيوت وأحيانًا تفوت على عمارات أو ساحات بيوت ناس ما بتعرفهم عشان يلقط معك GPS». اندماج العام والخاص عند سؤال تاج عمّا كان سيفعل لو وجد البوكيمون في مساحة خاصة، قال: «لا وجود لعام وخاص (..) إذا ما وجدت بوكيمونًا نادرًا قد أجد نفسي في حديقة أحدهم». أحد هذه البوكيمونات النادرة كانت «تصول و تجول» في مركز الأميرة هيا الثقافي، ولكن في خارج أوقات العمل الرسمية، بحسب تاج. «حاولت قدر الإمكان تقريب الـGPS عن طريق الدوران حول المكان إلّا أن ذلك لم ينجح»، ليبحث بعدها عن ثغرات حول المركز كشبك مثقوب أو حائط منخفض لكنه لم يجد شيئًا من ذلك، وتراجع عن تلفيق قصة أنه نسي هويته الشخصية لحارس المركز. «لحسن الحظ كل فترة يتغير موقع البوكيمونات، فأصبحت خارج مركز هيا، وفي أحد المباني السكنية». أما وسام فكان في المطار لاستقبال ابن عمه، في اللحظة التي أظهرت فيها شاشة هاتفه وجود بوكيمون قريب، ليكتشف أن البوكيمون كان بالضبط عند منطقة الحقائب، فبدأ بالدوران في منطقة الاستقبال موجهًا هاتفه الذكي ومشغلًا كاميراته ليصل إلى أقرب نقطة إليه، حتى تجاوز المنطقة المسموحة له كمستقبل. تنبه إليه رجل الأمن وعندما شرح له وسام اللعبة، قال له «طب اعطيني هويتك!». مع هذا، يقول العديد من اللاعبين أن هذه اللعبة سمحت لهم بالتواصل مع أشخاص فرصة مقابلتهم كانت معدومة لولا اللعبة. يكمل وسام أنه الآن يقاتل أحد مدربي البوكيمون من الأردن على جيم في شارع الرينبو. يسترسل حمزة عن أهمية اللعبة بتشكيل علاقاته بأماكن المدينة فيقول «تجبرك بوكيمون جو على التحرك والخروج من المنزل. تشعرني اللعبة بالارتباط بمدينتي، وشعور بعلاقة خاصة مع أماكنها ومساحاتها، فالدوار الذي كان مجرد طريق أمر من خلاله لأصل لعملي، أصبح محطة أقف عليها لأجمع أدوات جديدة من اللعبة، ومطعم أبو جبارة صار مكان متنازع عليه للتحكم بالجيم المرتبط فيه، وكل شخص ينظر إلى هاتفه في محيط هذه النقطة، إما خصم يجب القضاء عليه أو صديق أرغب بالتعرف عليه». اقتحام بعض الأماكن قد يكون خطرًا أمنيًا انطلق عمرو ومجموعة من خمسة أشخاص للمدينة الرياضية في عمان لمحاولة السيطرة على جيم (gym) موجود في أحد الـ «Pokestops» وهي أماكن التعبئة التي حددها التطبيق في أعلى درجات صرح الشهيد. هذه البوكيستوبز هي محطات تحصل فيها على الكثير من الأشياء المجانية. «عندما تسلّقنا الدرج، توجه إلينا أحد الشرطة لإخبارنا بأن هذه المنطقة ممنوعة»، يقول عمرو ساردًا قصته. «سألناه بلباقة إن كان بإمكاننا المكوث لخمس دقائق لأننا نلعب لعبة عالمية تعتمد على مواقع حقيقية، من ضمنها صرح الشهيد. سمح لنا بالاستمرار لخمس دقائق، لحق بنا متأخرًا اثنان من أصدقائنا لأنهم أرادوا أن يسيطروا على المزيد من الجيمز. كانوا وحدهم فأمسكت بهم الشرطة وحققت معهم لنصف ساعة ملقين عليهم أسئلة مثل: هل تنوون تفجير هذا المكان؟ لقد رأيناكم تحملون جهاز الـGPS، بالإشارة إلى شاشة الهاتف التي توحي بأنها جهاز GPS عبر تطبيق بوكيمون جو، ليتم إطلاق سراحهم بعد أن فتشت حقائبهم». برغم كل الإثارة التي أحاطت اللعبة حول العالم والأردن، إلّا أنها ولّدت مخاوف حول اختراق خصوصية الأماكن وأمان اللاعبين. ففي أستراليا، طالب مركز شرطة على صفحته الفيسبوك اللاعبين بالبقاء بعيدين عن المركز حتى وإن وجدوا فيه بوكيمون، وأن يرفعوا أعينهم عن شاشة الهاتف وينظروا إلى اليمين واليسار قبل قطع الشارع متمنية لهم قنصًا سعيدًا وآمنا. وفي ولاية ميزوري في الولايات المتحدة حذّرت الشرطة اللاعبين من تمكين لاعبين آخرين غرباء من الاطّلاع على موقعك حتى لا تكون عرضة للسرقة بحجة لعبة البوكيمون. أما آخر التخوفات فكانت اكتشاف مخاطر أمنية في التطبيق على iPhone يطلب إذنًا بـ«النفاذ الكامل» إلى حساب جوجل، والتي وعد مطوّرو بوكيمون جو بحلها. http://7iber.com/technology/pokemon-go-in-jordan/#hcq=3pVYXQp