الدكتور ذوقان عبيدات 1 - حين نقول إن المناهج والكتب المدرسية منتج بشري، فهذا يعني أنها صدرت عن بشر، وكتبها بشر، وبلغة البشر. هذه المعطيات قابلة للصواب والخطأ، ويمكن نقدها، أو قبولها أو المطالبة بتعديلها، فلجان التأليف هم بشر مثلنا، ولجان الاشراف على تأليف الكتب هم مثلنا أيضاً، لا يتمتعون بحصانة، ولا قداسة، حتى لو حمل بعضهم ألقاباً دينية. 2 - كثر الحديث عن أن من انتقدوا المناهج والكتب لم يقرأوها، وكأن نقدهم غيبياً أو كيدياً. هذا ما قاله فضيلة أستاذ جامعي في برنامج تلفزيوني محترم. كما قيل أن نقد الكتب هو نقد للدين، وبما أنهم لم يقرأوا الكتب، فإن نقدهم غير مبرر ولا مقبول. أقول لفضيلته ان نقد الكتب كان تحليليا، حيث قدمت أرقام الصفحات والأفكار والكتب والصفوف والأجزاء في جميع المقالات المنشورة! إذن، من هو الذي لا يقرأ، وليس لم يقرأ فقط. 3 - قلنا عدة مرات، إن النقد ليس موجهاً للأفكار ولا للمحتوى، فجميع النصوص الدينية تم تقديمها باحترام شديد ومقدس، فلم يتعرض نقد لأي محتوى ديني، بل تم التوجيه بأن بعض النصوص قد لا يقدمها المعلمون في سياق سليم، أو أنها قد تستغل لتمرير أفكار داعشية، حيث يخرجها المعلم عن سياقها. وبهذا الصدد يجدر توضيح ما يأتي: أولا: قلت في مقالة سابقة أن الدكتور اسحق الفرحان، أمده الله بالصحة والعافية، كان يشكرني على نقدي لكتب التربية الإسلامية، بل وأعلن أمام مجلس التربية والتعليم العام 94، أنه يقدم لي عضوية شرف في حزب جبهة العمل الاسلامي، لأنني أكثر من قدم خدمة لمناهج التربية الإسلامية، مبرزاً جهدي في: 1 - حذف كلمة كفار قبل كلمة قريش، باعتبار ان قريشا من أعز قبائل العرب، ومن أبرز داعمي الدعوة. 2 - حذف ان فكرة الصيام هو في هدفه الرئيس الشعور مع الفقراء، باعتبار الصيام فريضة دينية. 3 - حذف المثال الذي يقدم صراعاً بين الأم والدين، والانحياز للدين ضد الأم. 4 - حذف كلمة المرأة من شروط المؤذن، حيث قدم الكتاب شروط المؤذن بثلاثة: أن لا يكون كافراً ولا مجنوناً ولا امرأة، واستبدلناها بعبارة "يشترط في المؤذن أن يكون مسلماً عاقلاً". 5 - وبالتعاون مع حسني عايش- عضو مجلس التربية في حينه، تم حذف "ناقصات عقل ودين". وهكذا قدر الدكتور اسحق الفرحان - أطال الله في عمره- هذا النقد، وشكره، ولم يتهمه بأنه نقد للدين!. ثانياً: ولمزيد من التوضيح -حيث لم يكن هناك أدنى التباس- فإن ما كتبناه نقداً للكتب المدرسية والمناهج في سلسلة مقالات "الغد"، التي فتحت أبوابها لكل كاتب من كل اتجاه، ركز على أفكار يمكن استغلالها داعشياً، أو أفكار اختلف سياقها، وأقدم هنا بعض الأمثلة: 1 - "لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا"!! هل هذا يتفق مع الديمقراطية؟ هل هذا دعوة صريحة لحمل السلاح؟ من يقوّم الحاكم؟ البرلمان وهيئات المجتمع المدني أم حمل السيوف؟ 2 - "واجب المسلم حمل السلاح دفاعاً عن الاسلام في العالم"! هل هذا واجب المسلم؟ أم واجبه نشر الحضارة والثقافة والإسهام في بناء الانسانية؟ 3 - الدعوة إلى "الحسبة" والاحتساب، وإصلاح المجتمع باليد واللسان والقلب! هل هكذا يصلح المجتمع؟ هل سمعتم ما فعلت الشرطة الدينية في مجتمعات مجاورة؟ 4 - منع الزوجة من الخروج من منزلها إلا بإذن زوجها، ووضع شروط -غير معقولة- امام خروجها في حالة الحريق كوضع العطور، والملابس، وحركات المشي! هل هذه انتقادات للدين؟! أرجو أن نفهم أن تغيرات فكرية وثقافية واجتماعية تحتم علينا التخلص من ثقافة ليس لها سياق. ثالثاً: وحين نقول: دستورنا يحترم الكرامة والمواطنة وعدم التمييز، وإن قانون التربية، رقم 3 لعام 94، يؤكد المواطنة وعدم التمييز، فإن أي تمييز في المناهج والكتب ليس دستورياً، وهو مخالف للقانون، بل ولا يجوز أن نضع في أي كتاب نصوصاً تخالف الدستور، وتخالف قانون التربية، بل والقوانين المدنية. وفي هذا الاطار قدمنا الافكار والأمثلة الآتية: 1 - في كتب اللغة العربية نصوص وأنشطة وأمثلة دينية، تخص ديناً غالبياً، ولا تخص سائر الطلاب. وسالنا ما معنى: - اعرب: لكل ذي كبد رطبة أجر! - استمع إلى نصوص دينية بنسبة تزيد عن 60 %. - اكتب في موضوعات تعبير دينية بنسبة تزيد عن 70 %. - اتل الآية الكريمة محافظاً على حركات المد. انا هنا لا أناقش النصوص والدين، بل قلت: ان هذه النصوص ليست هي كل ما يحتاجها طلاب اللغة العربية، وهي ليست ملائمة لطلاب غير مسلمين. فالنقد إذن لا علاقة له بالدين، فهل يعقل هؤلاء، ومنهم من هو برتبة أستاذ جامعي؟ لو قرأ من هاجم وثار وتوعد لما فعل، بل لشكر من كتب ومن نشر! 2- وفي كتب التربية الوطنية، أخطاء فادحة، في تقديم القيم، وعدم نسبتها إلى الانسانية، أو نسبتها إلى دين معين. نحن هنا نتحدث عن أخطاء علمية، لا علاقة لها بالدين، والا ما معنى ان يقول الكتاب: "سكان الاردن مسلمون"! هذا غير حقيقي، حتى لو كان هناك أردني واحد غير مسلم!. 3 - وحين يقال: "تختلف المعرفة العلمية عن المعرفة الدينية في المنهج والمصدر والهدف والغاية"، فهذا ليس تحيزا للعلم، بل نصر للدين، فالدين ليس مطالبا بالأدلة والبراهين التجريبية، فالايمان تصديق بالقلب، والعلم ليس كذلك. كيف يفهم احد ان هذا كلاما ليس دينياً، اذن هم لا يقراون كما يبدو. رابعاً - كما دارت افكار، بان الصراع بين متطرفين، وان تطرف من نقدوا المناهج، خلق فعلا تطرفا معاكسا، ولعنة الله على الجهتين! هكذا كان منطق كتاب واساتذة جامعة، وربما مسؤولين حكوميين. في هذا المجال يمكن توضيح ما يأتي: 1 - قدمت وزارة التربية نقدا شديداً -هجوماً- على من تحدثوا عن المناهج، بأنهم هواة، حاقدون، وقال أحد أعضاء مجلس التربية: أن نقدكم من أجل المناكفة، كما المحوا عبر وسطاء، بل وصرحوا، بانه نقد للدين، وان من ينتقد المناهج ينتقد الدين، رجوعا الى مقولتهم السابقة ان من ينتقد التوجيهي ينتقد الوطن، لأنه رمز كرامة الوطن! ارجو من الوزارة وغيرها ان تعي ان ما كتب نقد للمناهج وليس نقدا للدين! ان هذا الارهاب الفكري، وقد اشتهر به كثير من الافراد والجماعات -عبر تاريخنا- والان، لا يستند الى فكرة متجسدة او دليل، والا لاحرقوا الاخضر واليابس. إذا لو قرأوا لما زمجروا ولما هددوا، ولا رفعوا شعار قاطعوا! ** ليس دفاعا عن جريدة الغد، ولا عن نفسي، اقول: 1 - هناك من دعا الى الختان، على رأي الكاتب معاذ بني عامر، الختان العقلي، لكي لا يفكر، واضيف بأنهم دعوا الى ختان القلب، كي لا يحب، ودعوا الى ختان العين كي لا ترى ما في العالم من جمال، وختان للاذن كي لا تسمع الموسيقى. وقد يمتد الختان ليشمل رغبتنا في الحياة والعبور إلى الاخرة. 2 - هناك من دعا إلى الوثوق، وعدم الشك، وبقبول كل ما يدور ويقال، دون تمحيص. نحن بحاجة إلى ديكارت كي ينقذنا من خرافات، ونحتاج إلى نقطة صفر متوحشة، كي نبدأ منها انطلاقنا. 3 - وعلى رأي باحثي جريدة "الغد"، نحن بحاجة الى التخلص من متوالية الخوف من الوقوع في الخطأ. نحن بحاجة -واقتبس من بني عامر- الى ان تكون ولادتنا بيولوجية فقط لا ولادة ثقافية. نريد ان نولد، ونبني خبراتنا من تراثنا وخياراتنا وحريتنا. 4 - نحن تعرضنا لنقد الكتب، نقدا معرفيا، لا نقدا سيكولوجيا. نريد تبادل القراءة: نقرأ ما يكتبون، ويقرأون ما نكتب، فالنقد ليس مجالا لتصفية حسابات وذم وقدح. نريد ان نكون جميعا قارئين لا متهمين، ولا مجال لاحد لان يكون "ما انا بقارئ"، ويتهم الآخرين بذلك! خامسا: جريدة الغد، وهذا ليس مجاملة، فيها نقرأ الاتجاهات متباينة، نفتخر بهذا التوجه، نسعد بمقالات محمد خازر المجالي واسامة شحادة وعاصم منصور، كما نسعد لنارت قاخون ومعاذ بني عامر وحسني عايش وغيرهم! ما الخطأ ان تتباين الاتجاهات؟ وارجو ان لا يختطف اتجاه بالذات جريدة الغد. لقد صارت الغد جريدة الوطن الأولى، لانفتاحها وسعتها للجميع. هناك صحف دينية، واخرى يسارية، لم يسمع بها احد، فالجريدة كالوطن يضم الجميع. ** وختاماً، فإن علينا - إذا قرأنا - أن نفهم: ان نقد المناهج ليس نقدا للدين ولا للتدين، وان اخراج أي نص من سياقه، يجعله غير ملائم، وان الدين ليس حكرا على فئة وعلى فهم معين. ونفخر بالغد دائماً، التي جمعت كل الاطياف، فالاختلاف ليس بين متطرفين؛ انه ببساطة، بين ما يكتب ومن لم يقرأوا..
اوائل - توجيهي.