عمان- ما يزال طلبة المدارس، وعلى الرغم من مرور أعوام على طرح مشكلات التدفئة في مدارسهم، يراوحون بين حرص إدارة المدارس على حمايتهم من التعرض لضيق التنفس جراء استخدام المدافئ، وبين الشعور بالبرد القارس، وفي المحصلة يظل الطلبة بانتظار حل جذري ينهي معاناتهم الشتوية التي يعيشونها سنويا، مع قدوم فصل البرد والأمطار. وبين هذا وذاك، تقف وزارة التربية والتعليم أمام هذا التحدي لتكرر مقولتها المعتادة بأنها "تخصص مبالغ مالية لتدفئة الطلبة"، في حين يبدي مديرو مدارس التقتهم "الغد"، تخوفهم من "خطورة استخدام المدافئ التي يتم تزويدهم بها على حياة الطلبة". أكثر من ذلك، تلوح وزارة التربية، بأنها "ستحاسب أي مدرسة لا توفر الدفء للطلبة"، فيما يؤكد أولياء أمور "عقم" هذا التحذير، لأن أبناءهم "يمضون ساعات طويلة في المدارس دون الحصول على تدفئة مناسبة"، بحسبهم. في الأثناء، تشير أبحاث في علم النفس، إلى أن "التحصيل العلمي للطلبة أثناء البرد يتأثر بشكل كبير، لكون البرد يؤثر على الجهاز العصبي، والدماغ والتركيز، وبالتالي يصبح لدى الطلبة إحساس بعدم القدرة على استيعاب ما يقوله المعلم". وفي هذا الصدد، يقول مدير مدرسة حكومية في منطقة المدينة الرياضية في عمان إن "أغلب المدارس لا تشعل مدافئ الكاز داخل الصفوف، حرصا على السلامة العامة للطلبة". وأضاف المدير الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ"الغد"، إنه "تتوفر مدافئ كاز في غالبية المدارس، لكن لا يتم استخدامها، لأنها ذات نوعية رديئة، وبحاجة إلى صيانة بشكل مستمر، وتكلفة صيانتها مرتفعة جدا، ولا تملك المدارس ميزانية لإجراء هذه الصيانه التي تعادل تكلفتها ثمن صوبة جديدة". وأشار إلى أن "الغازات المنبعثة من مدافئ الكاز، هي سبب من ضمن الأسباب التي تمنع إدارات المدارس من تشغيلها داخل الغرف الصفية، لما لها من أضرار صحية على الطلبة والمعلمين". وبين أن مدرسته تتوفر فيها 18 مدفئة كاز يتم توزيعها على الصفوف في أيام البرد القارس، بحيث يحظى كل صف بمدفأة واحدة، بالكاد تكفي الغرض منها. وأوضح أن كثيرا من المدارس لا تشعل المدافئ إلا في حالات البرد القارس، وتقتصر في بعض الأحيان على طلبة الصفوف الأساسية.. وبعض المدارس تقصر الاستخدام على غرف المعلمين والإدارة فقط. وأشار إلى أن وزارة التربية والتعليم "بدأت من العام الدراسي الماضي، باقتطاع جزء من أرباح المقاصف المدرسية وصرفها بدل محروقات"، لافتا إلى أن "مديريات التربية والتعليم، تصرف للمدارس كوبونات للكاز في حال وجود نقص". ولفت الى أن الوزارة "عممت العام الماضي على مديري المدارس، بأنه سيتم اقتطاع نسبة من أرباح المقاصف المدرسية واستعمالها كبدل للمحروقات"، لافتا إلى أن هذه النسبة "ستكون متفاوتة من مدرسة لأخرى حسب أرباح مقاصفها"، داعيا الوزارة إلى توفير وسائل تدفئة حديثة (تدفئة مركزية، مكيفات)، بدلا من الاعتماد على مدافئ الكاز التي تسبب العديد من الإشكالات والمخاطر التي تجعلها غير آمنة على صحة الطلبة والمعلمين. وشاطره الرأي مدير إحدى المدارس الحكومية في عمان الغربية، قائلا إن "مدافئ الكاز المستخدمة في المدارس تعد وسيلة غير آمنة، ولذلك تمتنع الإدارات المدرسية عن استخدامها رغم توفرها، حرصا منها على سلامة الطلبة". وأضاف أن "كل معلم في مدرسته يأخد مدفأة الكاز معه إلى حصته، ويصطحبها معه فور انتهاء الحصة، خوفا من عبث الطلبة بها وتعرضهم لإصابات في حال وقوعها". وبين أن مدرسته من ذات الفترتين، صباحية ومسائية، ولذا "لا يمكن تشغيل المدافئ فترات طويلة، نظرا لما ينبعث منها من روائح وغازات ثؤثر سلبا على صحة الطلبة، فضلا عن أن بعض الطلبة يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي تقتضي عدم تشغيل مدافئ الكاز قربهم". والرأي نفسه أيدته مديرة مدرسة في عمان الشرقية، التي أكدت أن الطالبات "يعانين في هذه الأجواء من البرد"، مشددة على أهمية التدفئة في العملية التعليمية. وكان نحو 413646 طالبا وطالبة في 3863 مدرسة حكومية خضعوا العام الماضي إلى فحص دوري، شمل الصفوف الأول والرابع والسابع والعاشر، وفقا للتقرير السنوي الصادر عن مديرية الصحة المدرسية لعام 2015. وأظهر التقرير المنشور على موقع وزارة الصحة، "إصابة 2049 طالبا وطالبة بأمراض جهاز التنفسي، في حين بلغ عدد الطلبة المصابين بتضخم اللوزتين نحو 3672، كما أصيب 4553 منهم بالتهاب الحلق واللوز، نتيجة استخدام المدافئ". من ناحيته، اعتبر الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أن "الأعذار التي تقدمها إدارات المدارس لعدم تشغيل المدافئ داخل الصفوف غير مقبولة على الإطلاق". وقال مطارنة لـ"الغد" إن "عدم تشغيل وسائل التدفئة رغم توفرها تحت ذريعة حماية الطلاب، ينم عن إحساس بعدم المسؤولية"، لافتا إلى أن "الأطفال بشكل خاص، والإنسان بشكل عام لا يستطيع تحمل البرودة، كونها تؤثر على الجهاز العصبي، والدماغ والتركيز، وبالتالي يصبح لديه إحساس بعدم القدرة على استيعاب ما يقوله المعلم". وأشار إلى أنه "في حالات البرد الشديد، تصل بعض الأجسام إلى حالة من التجمد والإغماء، فضلا عن حالات مرضية متعددة، فلذلك لا يستطيع الطالب الاستيعاب أو أداء الامتحان بشكل جيد، إلا إذا كان في بيئة محفزة، من أهمها توفير التدفئة في فصل الشتاء، والتبريد في فصل الصيف، والإضاءة الجيدة". وأضاف، أن "عدم توفير التدفئة داخل الصفوف يسبب حالات تسرب مدرسي نتيجة البرد وعدم القدرة على الجلوس على مقاعد الدرس، فضلا عن ازدياد الأمراض، وانشغال الطلبة بمحاولة تدفئة أنفسهم من البرد، الأمر الذي يؤدي إلى العصبية وشعورهم بعدم الراحة النفسية، وعدم تقبل الآخر". ودعا وزارة التربية والتعليم، إلى ضرورة التعميم على جميع المدارس بضرورة تشغيل المدافئ داخل الصفوف، باعتبارها عنصرا أساسيا في إيجاد بيئة مدرسية مناسبة ومتكاملة، الأمر الذي يسهم في تحسين تحصيل الطلبة، لاسيما وأنهم مقبلون على فترة الامتحانات النهائية. وفي هذا السياق، كانت "الغد" تلقت العام الماضي خلال الدورة الشتوية الماضية، العديد من الشكاوى من قبل طلبة وذويهم ومراقبين من شدة البرودة في قاعات امتحان "التوجيهي"، حيث قامت الوزارة آنذاك بزيادة عدد المدافئ في القاعات. وكان نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات وزير التربية والتعليم محمد الذنيبات، أكد في تصريحات صحفية سابقة، ضرورة "عدم تكليف الطلبة بجمع تبرعات لغايات التدفئة أو إشعال المدافئ أو تنظيفها أو نقلها من غرفة إلى أخرى، حفاظاً على سلامتهم، ووضعها بعيداً عن مناطق مرور الطلبة وتجنيبهم العبث بها"، داعياً إلى "التأكد من صلاحية المدافئ وخزانات الوقود وجاهزيتها للاستعمال في الوقت المناسب، والتأكد من جاهزية مطافئ الحريق وصلاحية تعبئتها، بما يحقق السلامة العامة داخل الغرف الصفية ومحيط المدرسة". من جانبه، أكد الناطق الإعلامي لوزارة التربية والتعليم وليد الجلاد، أن الوزارة "حريصة على توفير البيئة المدرسية الآمنة والسليمة لأبنائنا الطلبة". وأشار الجلاد إلى أن "وزير التربية أوعز في وقت مبكر لهذا العام، بضرورة الاستعداد الجيد لفصل الشتاء، وخاصة في ما يتعلق بتوفير المدافئ". وأوضح أن "الوزير شدد في وقت مبكر أيضا على مديري التربية والتعليم، بضرورة استكمال الاستعدادات لاستقبال فصل الشتاء، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتوفير البيئة المدرسية السليمة ومتطلبات السلامة العامة حرصاً على سلامة الطلبة والمعلمين. وبين أن المدافئ "متوافرة في المدارس، إضافة إلى أن مخصصات الوقود متوفرة لدى مديريات التربية والتعليم"، لافتا إلى أنه "في حال وجود أي شكاوى تتعلق بعدم تشغيل المدافئ في المدارس، ستقوم الوزارة بمتابعتها مع مدير التربية والتعليم، المعني باتخاذ الإجراءات المناسبة". أوائل - توجيهي أردني

أحدث الأخبار