سليم ايوب قونة-
كنت اتجاذب أطراف الحديث مع بعض الاصدقاء في مكان مطل على أحد الشوارع الرئيسية في عمان وكانت الساعة لم تبلغ الثانية عشرة ظهرا بعد ، حينما تتابع ظهور ثم اقتراب رتل طويل من باصات من الحجم المتوسط ذات اللون الموحد ، ثم اصطفافها ، واحدا تلو الاخر ، على امتداد الشارع المحاذي للرصيف العريض. من تلك المسافة استطعنا أن نميز الخطوط التي كتبت على الجانب المرئي لنا من كل باص ، وكانت كلها تحمل اسما واحدا لمؤسسة تعليمية خاصة.فالمؤسسات التعليمية الحكومية لا تملك وسائط نقل خاصة بها ، ويكفيها ما هي فيه من هم وغم! ما هي لحظات الا وبدأت تصل لمسامعنا ونحن على بعد حوالي 50 مترا من الشارع أصوات ونداءات وضحكات الاطفال ، ذكورا واناثا ، وهم يتدفقون من أبواب تلك الباصات نحو الرصيف وكأنهم في سباق مفتوح للجري. سأل أحد الجالسين مضيفنا: ما هذا ؟ الى أين يذهب كل هؤلاء الاطفال؟ قال: انهم في طريقهم الى المطعم الذي يقدم الوجبات السريعة والذي بامكان يافطته العملاقة بألوانها المتلألئة ان تخطف الانظار من مسافة بعيدة. ردا على عدة تساؤلات طرحناها على مضيفنا أوضح بأن هذا المشهد بات شبه يومي ، ولكن الباصات في كل مرة تحمل اسماء مؤسسات تعليمية مختلفة. السيناريو اذن شيء قريب مما يلي. خلال اليوم الدراسي المعتاد: التلاميذ الصغار كثيرو الحركة والنشاط ، جائعون دائما كعادتهم ، والباصات راكنة في الشوارع المحيطة بتلك المؤسسات التعليمية ، السائقون يدخنون السجائر وقد أصابهم الملل ، عمال المطاعم اياها يهيئون المكان لاستقبال عشاق الوجبات السريعة الذين لا يهتمون بمكونات ما يأكلون أو يلتفتون للقيمة الغذائية للطعام الذي يقدم لهم على أطباق ملونة وطاولات مزركشة ، طالما ان اسعارها في متناول جيوب أولياء أمورهم. يسبق كل ذلك على الارجح ويمهد له اتصال تنسيقي بين المطعم وأحد العاملين في ادارة المؤسسة التعليمية المعنية لترتيب الزيارة بقالب ترويحي للأطفال في هذه السن النضرة. المؤسسات التعليمية من هذه الفئة تعمل ضمن ما يسمح به القانون والمطاعم بدورها مرخصة والامور كلها على ما يرام ، والصغار يتوقون دائما لأية فرصة للقيام بمغامرة خارج جدران الصف وخلف اسوار المدرسة. لكن عندما يتحول نشاط كهذا الى ممارسة متكررة فان الامر يستدعي التساؤل. فاذا كان هذا النشاط يندرج تحت عنوان النشاطات اللا منهجية فكم هو عدد الزيارات أو الرحلات اللا منهجية التي نظمتها أو تنظمها هذه المؤسسات التعليمية الى أماكن أخرى مثل متحف الاطفال أو متحف الاردن أو مركز هيا الثقافي او المكتبة الوطنية او محطة سكة الحديد أو الحدائق العامة أو المعالم الحضارية والثقافية العديدة المنتشرة في عمان وخارجها ؟ يخشى ان بعض القائمين على هذه المؤسسات التعليمية لا يعرفون أين تقع المؤسسات الثقافية الوطنية الانفة الذكر التي لا تقدم الطعام والشراب. واذا كان هناك من تقصير فانه لا يأتي من طرف القائمين على المؤسسات التعليمية فقط ، بل يشاركها فيه القائمون على المؤسسات المعنية بالثقافة والفن والبيئة والتاريخ.لماذا ؟ لأن القائمين على هذه المؤسسات العامة ربما تعوزهم الحوافز الكافية لزيادة عدد من يزور أو يتعرف على المؤسسات التي يعملون فيها. وهم لا يقومون بالترويج الكافي والدعاية المناسبة لدور ورسالة مؤسساتهم للرأي العام. «الخبطعشاوئية « قد يكون وصفا مناسبا للعلاقة التي تربط بين بعض المؤسسات التعليمية الخاصة وبعض المؤسسات غير الربحية العامة المعنية بالثقافة والفن والتاريخ ، هذا ان وجدت هذه العلاقة أصلا! يا أولياء الامور المعنيون متى كانت اخر مرة سألتم فيها فلذات أكبادكم عن نشاطاتهم اللامنهجية ؟- الرأي .
أوائل- توجيهي أردني .