تتفاوت أنماط تفكير الأطفال، وسرعة استجاباتهم، منهم من يكون بطيئاً في الكشف عن الاهتمام والولع القائمين على التعرف على ما يحيط بهم من مكونات بيئية، وقدرة الطفل في التعرف على الأشخاص المحيطين به هي أهم ما يكون أولى خطوات تفكيره الذي يدل على نموه وتطوره الفكري. الطفل يأتي إلى هذا العالم مزوداً بجهاز عصبي يصله بعالمه الجديد، ويؤدي دور الوسيط بين استعداداته الموروثة، وبين محيطه الجديد عليه. إن كل ما يمر به الشخص من خبرات في عامه الأول وما يليه يطبع على صفحات ذهنه، وعندما ينطلق الطفل من حجر أمه ليطوف في أرجاء الغرفة ومحيطه يكون قد اختزن في ذهنه تجارب وخبرات مهما كانت محدودة فإنها كفيلة بأن تترك آثارها ماثلة على جوانب حياته الوجدانية وحياته الفكرية. كما أن حسن الرعاية والحكمة في التنشئة خلال أيامه الأولى الغضة هذه ينشأ عنها ما يسمى بالسلوك الأخلاقي المُنتظر منه والمؤمَّل فيه في مختلف الميادين الاجتماعية القادمة؛ إذ إن العناصر اللاشعورية التي ينطوي عليها اتجاه الطفل إزاء أبويه إنما هي موصولة بوجد أناته وانفعالاته وحياته الشعورية وغرائزه. الأم هي مصدر حاجات الطفل الجسمية ومتطلباته النفسية، والأب هو مصدر الإعجاب والإكبار، يصبحان موضع اهتمام الطفل الأول وفيها يعمل فكره وفي أجوائها يسرح بتأملاته، ويفكر أفكاراً لا حصر لها كلما تقدم في مضمار النمو، ويكون تفكير الطفل في مراحله الأولى تركيزياً يدور حول ذات الطفل، بدون أن يكترث إلى أن يجعل أفكاره تلك وتفكيره هذا مفهوماً بالنسبة للآخرين، فهو قليل الاهتمام بإقناع سامعيه ولا يهتم إلى التدليل عن فكرته والبرهنة عليها، وتفكيره الذاتي هذا يجعله غير واع لما يحيط به، وغير مدرك للظواهر التي تكتنفه على نحو مركز يومي إلى استقصاء ما وراء الأحداث العارفة. لكنه تفكير متصل بحياة الطفل الواعية على قدر ما تدعو الحال إلى إشباع حاجاته الفيسيولوجية والنفسية، وهذا ضرب من التفكير يمكن نعته بأنه أولي بسيط. ولعل من أهم الخصائص التي يتميز بها طفل ما قبل المدرسة: - التمركز حول الذات: يعتقد طفل هذه المرحلة أن كل شيء في العالم يحدث بشكل منظم ووفق خطة محكمة وهو في وسط هذه العمليات، بل هو المسبب لها، لذلك فإن جميع الخبرات الجديدة، الكلمات الجديدة، المشكلات الجديدة التي يقابلها الطفل يستوضحها في رصيده المحدود من المعلومات ويتعامل معها من خلال حاجاته وأغراضه الشخصية مما يحول دون رؤيته للأشياء بطريقة موضوعية. وتمركز الطفل حول ذاته يقوده إلى الاعتقاد بأن الجميع يفكرون مثله وإن العالم كله يشاركه أحاسيسه ورغباته. هذا الشعور بالتوحد مع العالم الخارجي يعطيه الإحساس بقدرته السحرية على أن يجعل الكبار يهتمون به ويلتفون حوله ويداعبونه، وهكذا يعتقد الطفل أن العالم ليس فقط خلق من أجله بل باستطاعته أن يسيطر عليه، فالشمس والقمر يتبعانه عندما يذهب في نزهة... ويستطيع أن ينزل المطر إذا استمر في الرقص في دوائر. إن طفل هذه المرحلة يواجه صعوبة في وضع نفسه مكان الآخرين ليس فقط من الناحية العقلية، بل من الناحية العاطفية أيضاً، فاستمرار الطفل في مضايقة أمه رغم توسلاتها بأن يتركها وشأنها لأنها تعاني من صداع لا علاقة لهذا بأخلاقياته، وإنما يرجع هذا إلى تمركزه حول ذاته بحيث لا يستطيع أن يرى وجهة نظر الآخرين أو أن يفهم مشاعرهم. - التفكير الأرواحي: والمقصود بالتفكير الأرواحي أو الإحيائية، أن الطفل يسبغ الحياة على كل شيء حوله بما في ذلك الجماد، فالشمس تتبع الطفل لتريه الطريق، والسحب تتركه من تلقاء نفسها وتخط طريقها وكأنها تملك روحاً وعقلاً، ويرجع ذلك إلى أن الطفل في هذه السن ما يزال يخلط بين نفسه وبين العالم من حوله، ويعتقد أن كل شيء في الكون فيه حياة ووعي وله غرض وهدف مثله تماماً.. أي أن هذه الصفة امتداد لخاصية التمركز حول الذات.
*كاتب وباحث تربوي