غني عن القول، إن مناهج اللغة العربية لم تتغير، وبالتالي فإن الكتب المدرسية لن تتغير، الا بمقدار ما يسهم في تحقيق أهداف المنهج بطريقة أفضل، وأن أي تغير في أي كتاب لن يمتد إلى تغيير فلسفة التربية أو المنهاج المدرسي. ومهما أكدنا هذه الحقيقة، فإن عدداً من الناس لا يقرأون، ولا يستمعون الا لمحرضيهم من ذوي العقول النمطية، التي لم تغير طريقة تفكيرها منذ تكونها.
هذه مقدمة صارت ضرورية للقول بثبات المنهج، وتحرك الكتاب المدرسي بسرعة أكثر مما قد يتعرض له المنهج، فالمنهج يتغير عبر عوامل ومتغيرات حاسمة، بينما الكتاب قد يتغير بسهولة ويسر.
وبالتأكيد مرة أخرى، فإن التغير في كتب اللغة العربية، لم يتعد تغيرات في بعض النصوص، بدون أن يمس فلسفة التعليم وجوهره.
وهذه المقالة ستحاول الإجابة عن الاسئلة الآتية: ما هي اتجاهات التغير في الكتب المدرسية 2016/ لغة عربية؟ هل هناك مساس بالثقافة الإسلامية في الكتب الجديدة؟ هل الكتب الجديدة هي الكتب المنشودة؟
(1)
اتجاهات التغير في كتاب اللغة العربية للصف الخامس:
تناول التغير الاتجاهات الآتية:
- الانتقال الى تأكيد الهوية الوطنية الأردنية، باعتبارها هوية منفتحة، تقبل التعدد، وتحترم المرأة.
- الانتقال الى نصوص أكثر حداثة، وأسماء أكثر معاصرة مما كان في الكتب السابقة، ففي الكتاب السابق 35 اسماً تراثياً، واسمان معاصران.
- الانتقال الى نصوص وطنية وشخصيات أردنية مهمة جداً، مثل الشاعر العظيم عرار.
- الانتقال بثقافة الطلاب من مصدر محدد، تراثي الى مصادر متعددة، تراثية وحداثية.
- الانتقال من تقييد الطلاب بالتحدث وفق مسارب محددة الى التحدث بحرية والتعبير الواسع.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الانتقالات لم تشمل الاهتمام بالفنون والرياضة والموسيقى والجمال والحب، وربما عكس ذلك حذَر الوزارة ممن يعلنون أن مهرجان جرش انحلال وفجور، وأن رقص الباليه خلاعة وانحراف.
أو ربما لأن الوزارة احتفظت بمعظم النصوص الواردة في كتاب 2015 مما يقلل الفرصة في إحداث تغييرات أساسية.
(2)
ما لم يتغير في الكتابين
1. احتفظ الكتابان بالمواضيع نفسها. ومن يطلع على قائمة المحتويات، يجد أن الوحدات الثماني، بقيت بدون أي تغيير. فالجسم الأساس أو المحتوى الأساس بقي كما هو.
2. احتفظ الكتابان بالمقدمة التي تعكس فلسفة الكتاب من حيث إثارة التفكير وحل المشكلات والعصف الذهني (مع أني لم أر ذلك في الكتابين).
3. احتفظ الكتاب الجديد بالنصوص الدينية الآتية:
- قال تعالى: "الله نور السماوات والأرض". (سورة النور) ص 12.
- "اذا عملت خيراً تكسب رضا الله ورضا الناس". (ص 26).
- ذكر القرآن الكريم - وآدم عليه السلام. (ص 36).
- "وقل رب زدني علماً" (سورة طه) (ص 41).
- تكرار الآية الكريمة: "وقل رب زدني علماً" (ص 45).
- كان ابن سينا منذ صغره على دراية بأمور الدين والفقه. (ص 64).
- قال تعالى: "وأبونا شيخ كبير". (سورة القصص) (ص 67).
- قال تعالى: "فأما اليتيم فلا تقهر" (سورة الضحى) (ص 68).
- كانت الغاية من الفتوحات الإسلامية هداية الناس الى مبادئ الدين الحنيف، وإدخالهم في رحاب الإسلام. (ص 76).
- قال (ص): "إن الله يحب اذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". (87).
- قال تعالى: "فاستجاب لهم ربهم"... (سورة آل عمران) (ص 87).
- اذكر أسماء أبطال وبطلات من العرب والمسلمين. (ص 74).
- يصلي محمد في المسجد. (ص 80).
- قصيدة على اليرموك: هنا الإسلام ضاء له حسام.. وهبّ أبو عبيدة مثل ليث. (ص 84).
- من عدو المسلمين؟
إذن: هناك خمسة عشر نصاً بطابع إسلامي في كتاب اللغة العربية، فهل يوجد في كتب التربية الإسلامية نصوص غير إسلامية؟ إذن لماذا الهبة؟ ولماذا التحريض؟ لماذا الفيديوهات الشاتمة؟
(3)
ما الذي تغير في الكتابين؟
ذكرت في المقدمة أن اتجاهات التغيير كانت في انفتاح الكتاب على اتجاهات كانت محظورة عند المؤلفين. وسأقدم فيما يأتي أبرز العبارات التي تناولها التغيير، وفق اتجاهات التغيير:
1- زيادة التركيز على الهوية العربية بعد أن كانت مفقودة وقد تمثل هذا الاتجاه بما يأتي:
- كان درس الاستماع الى نص: لغتي العربية (ص 6)، بدلاً من نص التجارة الرابحة، وهذا النص ناقش ما يأتي:
- أهمية إتقان اللغة العربية.
- تكوين اتجاه نحو العرب الذين يستخدمون كلمات أجنبية.
- كيف نعيد للغة العربية مكانتها؟
- أما درس التحدث فقد استبدل الحديث عن لغة الضاد بالحديث عن الصدقات. (ص 7)
- تم وضع نص القراءة "أعتز بلغتي". (ص 8)، وهو نص يتحدث عن مكتبة المدرسة، والمحافظة على اللغة العربية. وقد تطلب تغيير النص أو استبداله، استبدال جميع التمرينات ذات الصلة به (ص 9)، وكان بعض هذه التمرينات يتناول نصاً قرآنياً كريماً.
2- استبدلت قصيدة (اللغة العربية) ص 16، بقصيدة "إبذل من مالك"، والقصيدة الملغاة تهدد أطفال 10 سنوات بما يأتي:
"ابذل من مالك لا تندم... فزكاة المال بها تغنم"، "ارحم اخوانك كي ترحم... في يوم الحشر غداً تسلم.. من نار جهنم والنقمة" (ص 17).
أما القصيدة الجديدة فمطلعها: "لا تلمني في هواها... أنا لا أهوى سواها"، "لغة الأجداد هذي... رفع الله لواها" (ص 16).
3- استبدلت قصيدة عرار (دعوة الى الوحدة العربية) بنص آيات من سورة آل عمران، علماً بأن هذا النص: "واعتصموا بحبل الله".. يرد في كتب التربية الإسلامية أكثر من مرة (ص 60). وقصيدة عرار تقول "فدعوا مقال القائلين جهالة.. هذا عراقي وذاك شامي"، فبلادكم بلدي وبعض مصابكم همي.. وبعض همومكم آلامي" (ص 60).
وتغيرت تبعاً لذلك التمرينات والأسئلة ذات الصلة.
4- تغيرت أدوار المرأة في الكتاب الجديد، فبعد أن كانت: -زارت فاطمة خالتها. -ساعدت سلوى أمها في تنظيف المنزل. -شاركت حنين في دورة التلاوة (ص 71)، تم استخدام جمل مختلفة مثل: -شاركت حنين في دورة الإسعافات الأولية (ص 71). -تفوقت سلمى في دراستها (ص 23). وهذا لا يعني تغيرا مهما، فمعظم الجمل ما تزال خالية من أي مضمون مهم مثل: نظرت الأم الى ابنتها، أعجبني الخاتم اللامع.. الخ.
5- تم إضافة جمل، ولأول مرة في المناهج الأردنية الحديثة: -يصلي المسلم في المسجد. -يصلي المسيحيون في الكنيسة. (ص 80). -نظف عيسى الحديقة (ص 79)، وهذا التغير على بداهته يعد نقلة مهمة.
وخلاصة القول: نعم، تغيرت كتب اللغة العربية وقطعت نقطة البدء، ولكنها بعيدة جدا عما نريد، وما نريده هو:
إعادة صياغة التمرينات لتشجع التفكير الناقد، وإثارة الأسئلة الإبداعية، فلم يطلب الكتاب من الطلاب مثلاً كتابة بيت شعر، أو نقد موقف أو تغيير مجرى الحديث نحو نهايات جديدة.
ولم يستغل الكتاب التمرينات المختلفة لوضع مبادئ حقوق الإنسان والتعددية والمواطنة والحوار والتواصل والتفكير.
فبدلاً من "زارت سلوى خالتها"، يمكن القول "ناقشت سلوى حقوقها"...الخ. فالمضمون لا يتطلب تغيير المواضيع، بمقدار ما يتطلب استثمار التمرينات لوضع ثقافة حداثية.
(الغد). ذوقان عبيدات
أوائل-توجيهي أردني