ان تخطئ الوزارة في بعض التعديلات التي ادخلتها على المناهج , هذه مسألة يمكن ان نفهمها , لكن ما لا نفهمه هو ان يبدو وزير التربية متفاجئا مما حدث , ثم ان ينهض لتشكيل لجنة يوكل اليها مهمة اعداد تقرير مفصل لمعرفة ملابسات القضية , ثم ان تبادر اللجنة الى احاطة الوزير والرأي العام بان التعديلات صحيحة وان منتقديها لم يقرأوا المناهج ولم يفهموا “الموضوع “ , وبالتالي فان “ التغذية “ الراجعة التي اشار اليها الوزير لا تستحق ادنى اهتمام , فالوزارة قامت بالواجب واكثر , وسوف تستمر في دفع عجلة التعديلات على السكة نفسها , وبدون حاجة الى اي نقاش عام . حين ندقق فيما جرى خلال الايام الماضية نجد ان التعديلات التي اقحمت على بعض المناهج الدراسية فاجأت وزير التربية بما يعني انه لم يطلع عليها , نجد انها ايضا استفزت الرأي العام واثارت المزيد من الهواجس والمخاوف حول مستقبل التعليم في بلادنا والجهات التي تتدخل فيه , نجد ثالثا ان الوزارة لم تعترف بالخطأ واصرت عليه واتهمت منتقديه بانهم لم يكلفوا انفسهم معرفة ما جرى , نجد رابعا ان اللجنة التي كلفت بالتدقيق والمراجعة شكلت من موظفي الوزارة , وبالتالي لا نتوقع منها ان تقول غير ما ذكرته , نجد خامسا ان الوزارة حاولت الخروج من المأزق باحالة اوراق “ التعديلات “ الى سماحة المفتي العام ودائرة الافتاء , وكأن احدا قد اتهمها بان التعديلات تحتوي نصوصا تعارض الدين, فيما كانت الحقيقة ان هذه التعديلات حذفت نصوصا دينية من المنهاج واستعاضت عنها بنصوص لا علاقة لها بالدين . تعديلات المناهج ، اذا ،لم تكن القنبلة التي فجرت حالة الارتباك التي تعاني منها وزارة التربية , فهي كشفت الازمة فقط , واذا كان قد سبق لي الاشارة الى هذه الازمة في اكثر من عشر مقالات استعرضت فيها ما جرى في امتحان التوجيهي وفي تطويق عمليات الغش , وتصاعد نسب الرسوب وعدد المدارس التي لم ينجح فيها احد , واعتبرت ان ما قامت به الوزارة في هذه الملفات وغيرها مجرد محاولات لتطبيق “الحدود “ وعمليات لتزيين الصورة , ومحاكمة النتائج دون الدخول في اصلاح المدخلات والمقدمات , اذا كان ذلك الذي ذكرته كان استشرافا لحالة الارتباك , فان ما جرى بعد ذلك من احالات على التقاعد وعلى الاستيداع لالاف المعلمين دون وجود اي اسس او ضوابط محترمة، ثم ما جرى من تقييم لنحو 5 سنوات لاداء الوزارة كشفت عنه الملكة رانيا في كلمتها في مؤتمر الموارد البشرية , حيث كانت النتائج صادمة ومخجلة , يضعنا فعلا امام حالة الارتباك التي تعاني منها اهم وزارة في بلادنا . من المفارقات ايضا ان ثلاثة ملفات مهمة تشكل عصب عمل الوزارة ونشاطها على وشك ان تسحب منها دون ان نسمع اي تعليق من المسؤولين فيها , والملفات هي الامتحانات وخاصة ( امتحان التوجيهي ) وملف تدريب المعلمين وملف المناهج الدراسية , واذا احسنا الظن لما جرى فانه يعود للدرجة الاولى الى عجز الوزارة وتواضع ادائها في هذه الملفات , ناهيك عن عدم قدرتها على الدفاع عن “ انجازها “ ، هذا اذا كان ثمة انجاز . من المفارقات – ايضا – ان الوزارة التي سمعنا وعود المسؤولين فيها عن برامج للطلبة في العطلة المدرسية التي امتدت الى “ 4 “ شهور , لم تفلح في تنفيذ اي برنامج , فقد ظل ابناؤنا في فراغ طيلة هذه الشهور فيما اكتشفت الوزارة لاحقا ان موعد الانتخابات البرلمانية سياتي في مطلع العام الدراسي فاضافت الى عطلة الاربعة شهور اسبوعا اخر , فيما كان يمكن ان تدرج في حساباتها ذلك , وان تحدد موعد العام الدراسي في موعد يتناسب مع موعد اجراء الانتخابات , دون ان تربك الطلبة بهذا الشكل غير المفهوم . صحيح ان السيد وزير التربية نجح في ضبط امتحان التوجيهي وهذه فضيلة تسجل في سجل انجازاته , لكن الصحيح ايضا هو ان الارتباكات التي عانت منها الوزارة وما تزال تعاني منها كشفت عن عمق الازمة التي تمخضت عن اخطاء كثيرة وانتهت الى نتائج خطيرة , وهي ازمة لم تكن مفاجئة وان كانت صادمة , لسبب بسيط وهو ان الذين تعهدوا باصلاح الملفات المتراكمة في وزارة التربية اخطأوا مرتين : مرة عندما ذهبوا الى عناوين غير صحيحة والى محاكمة النتائج بدل قراءة المقدمات ومعالجتها , ومرة اخرى حين صموا آذانهم عن الاستماع لاصوات المجتمع وفقهاء التربية والتعليم الموثوق فيهم , وانصرفوا الى غرفهم المغلقة بذريعة انهم وحدهم من يملك الحقيقة ومن يستطيع مواجهتها ايضا . شكرا لكم ..هذه هي النتيجة