يعد الإشراف التربوي ، مع اختلاف مسمياته من دولة إلى أخرى، قيادة تربوية هدفها الرئيس الدعمُ المباشر لعملية التعليم والتعلم داخل الصف وخارجه، ويحمل المشرف التربوي مسؤولية عدد من المعلمين كقائد يلاحظ ممارساتهم لمهنة التعليم، ويحدد من خلالها مع كل معلم آفاق النمو المهني الذي يلبي احتياجاته، ميسرًا لجميع الأدوات المعرفية المناسبة والأساليب الإشرافية المتنوعة، وعلى رأسها الزيارة الصفية التي تعد القاعدة الأساسية لتشخيص واقع عملية التعليم والتعلم وتحديد احتياجات المعلمين بالملاحظة المباشرة للموقف التعلمي داخل غرفة الصف؛ لهذا يحتاج منا أسلوب الزيارة الصفية إلى عملية تقويم تبدأ من تشخيص واقع ممارسته في الميدان التربوي وصولا إلى عملية المعالجة.
الزيارة الصفية
وتسمى أيضا “دورة الملاحظة“ وتمر بثلاث مراحل مشابهة لعمليات بعض الأساليب الإشرافية الأخرى ولكنها تختلف عنها في الاستراتيجيات التي يمارسها المشرف خلالها وهي:
1ـ الاجتماع القبلي (التحضيري)
ويتم قبل الزيارة بيوم أو يومين أو حتى بساعة، ويمارس فيه المشرف التربوي دور الوسيط بين المعلم وتفكيره بحيث يمكّن المعلم من تأمل الموقف التعلمي ويتطلب أن:
أ) يعي المعلم أهداف الدرس من خلال تحديدها أمام المشرف التربوي، وبذلك يكون كل من المعلم والمشرف مدركا للأهداف.
ب) يحدد المعلم الاستراتيجيات التي سيستخدمها لتحقيق الأهداف، كأن يقول: سأستخدم جدول التعلم أو التعليم التعاوني أو….
جـ) يحدد المعلم الأدلة والشواهد على تحقيق الأهداف:
- إذا أجاب الطلاب على 80% من الأسئلة في ورقة العمل.
- إذا أنهى الطلاب العمل في الوقت المحدد.
د) يتفق المشرف والمعلم خلال الاجتماع القبلي على عدة أمور من أهمها:
- متى سيحضر المشرف التربوي؟ ومتى سيغادر؟
- أين يجلس المشرف؟
- ماذا سيفعل وهو جالس؟
- ما الأمور التي يريد المعلم من المشرف أن يلاحظها؟
- ما الأمور التي يريد المعلم من المشرف أن يقدم له تغذية راجعة بخصوصها؟
2ـ الملاحظة
في هذه المرحلة يقوم المشرف بملاحظة أداء المعلم وفق المعايير التي تم الاتفاق عليها، فيجمع المعلومات عن سلوكيات المعلم والطالب لتكون أساسا للتحليل والمناقشة في الاجتماع البعدي (اجتماع المراجعة) ويحدد بعض هذه السلوكيات فيما يلي:
- سلوكيات لفظية للمعلم.
- سلوكيات غير لفظية للمعلم.
- سلوكيات لفظية للطالب.
- سلوكيات غير لفظية للطالب.
3ـ الاجتماع البعدي
يبدأ الاجتماع البعدي بعد مرور وقت كاف: ساعة تقريبا على انطلاق الحصة، وهذا الوقت يخصص ليتمكن كل من المشرف والمعلم من ما يلي:
- تسجيل الملاحظات وتنظيمها.
- تحليل السلوكيات وتأملها.
- الوصول إلى استنتاجات.
ويبدأ الاجتماع البعدي بأن يطلب المشرف من المعلم التحدث عن انطباعاته ومشاعره عن الدرس، مع ذكر وقائع محددة تدعم هذه الانطباعات.
كما يسأل المشرف المعلم عن التالي:
ـ ما الفرق بين حصتك كما حددتها في تحضيرك وبين الحصة كما نفذتها؟
ويركز المشرف من خلال هذا السؤال على أن يجعل المعلم يدرك العلاقة بين ما فعله وبين ما أنجزه سلبا وإيجابا.
وبناء على أدبيات الزيارة الصفية السابقة نجد أن الممارسات الفعلية من قبل عدد من المشرفين التربويين في الميدان التربوي تُختزلُ في ملاحظة صفية دون الاجتماع القبلي مما يفقدها جزءا كبيرا من أهميتها، فتُشكل على إثرها فجوة بين المشرف التربوي وكل من موضوع الدرس وأهدافه ومؤشرات تحقق الأهداف والمعلم، فتخرج نتائجها عشوائية وعامة ولا أدلة وشواهد يمكن الاعتداد بها والتغذية الراجعة المبنية عليها في الاجتماع البعدي فضفاضة وغير محددة، ناهيك عن الضعف الذي يتخلل مرحلة الملاحظة والاجتماع البعدي والسطحية التي تمارس بها. والمراقب لواقع الزيارة الصفية يجد أن المشرفين التربويين قد توارثوا هذه الممارسة وبات اختزالها أمرًا طبيعيًا جرت به العادة، ومن الأسباب التي أدت إلى هذه الممارسة المختزلة للمفهوم ما يلي:
- انخفاض معايير اختيار المعلمين للعمل الإشرافي.
- ضعف التأهيل الخاص بالمشرفين التربويين المستجدين.
ولمعالجة مشكلة الإخلال بممارسة مفهوم الزيارة الصفية، نحتاج إلى سبر أغوار الأسباب التي تُشكلها وتتشكل منها بدءًا من خفض معايير ترشيح المعلمين للعمل الإشرافي، رغم وجود معايير عالية منصوص عليها في اللوائح المنظمة لترشيح المعلمين، إلا أن هذه المعايير تخفض ويُغض عنها الطرف في كثير من الأحيان لاعتبارات متنوعة في مقدمتها اعتبار الاحتياج في قسم معين. وبهذا يدمج في الكادر(الإطار) الإشرافي مشرفون تنقصهم المعارف والمهارات العلمية والتربوية والاتجاهات الإيجابية نحو العملية التعليمية التعلمية، وتغيب عن أذهانهم آفاق التطوير التي تؤهلهم لحمل هذه المسؤولية بل يرون في الإشراف فرصة للراحة والركود، مما يفاقم مشكلات قلة دافعية المعلمين نحو التعلم ـ النمو المهني ـ ويزيد الضعيف منهم ضعفا ويجعل الجيد منهم حيرانا محبطا، ويركد البقية لما يلاحظونه في الممارسات الإشرافية من ركود مما يستوجب إعادة النظر في سد الحاجة بمشرف تربوي يزيد الطين بلة، كما يشكل ضعف تأهيل المشرفين المستجدين نتيجة عدم إعطائهم الوقت الكافي للتدريبوالتأهيل وإقحامهم مباشرةً في الممارسات الإشرافية، مما يدعم منهج المحاولة والخطأ ويقودهم نحو التخبط والعشوائية في الأداء، وتكون الضحية المباشرة المعلمين وغير المباشرة المتعلمين، فهم البوتقة التي تصب فيها جميع ممارستنا في الميدان التربوي سلبا وإيجابا.