المؤلف:
safaawa2el

 لم يكترث والدا الطفل مهند بدخوله مرحلة رياض الأطفال خلال العامين الماضيين، فقد أصبح عمره الآن (6 سنوات)، وبدأ عامه الدراسي الجديد في الصف الأول مع أقرانه غير مدرك لأي من أساسيات التعليم المتعددة. علياء هي أخرى وقعت بالخطأ ذاته مع طفلها الصغير (رامز)، إذ لم ير ويتصفح الكتب سوى هذا العام في الصف الأول الإبتدائي، موضحة أن الظروف المادية لديها، وإرتفاع أسعار الأقساط في غالبية رياض الأطفال كانت حائلا دون تسجيلها بإحداها. أما الطفل (عبيدة) في الصف الأول الإبتدائي، فقد خضع لمراحل رياض الأطفال لمدة عامين سابقين، لكنه لا يعلم شيئا عن الأحرف باللغتين العربية والإنجليزية، فبحسب والدته، لم تتعد أيام دوامه خلال مرحلة “البستان” إسبوعين فقط، بينما قضى مرحلة التمهيدي في اللعب والترفيه، بعيدا عن اكتساب أي معرفة. عدم اكتراث الأهل بأهمية التعليم المبكر، وضعف التعليم في رياض الأطفال، والأعباء المالية المترتبة حول دخول الطفل لمرحلة رياض الأطفال قبل المدرسة، هذه تشكل بعضا من الأسباب التي تقف عائقا في تلقي الطفل المعرفة في سن مرحلة عمرية مبكرة. ويرى خبراء أن عملية الإصلاح التربوي تنطلق أساساً من تحسين مدخلات التعليم في المراحل التعليمية الابتدائية (الأساسية)، مؤكدين أن تحقيق هذه الغاية، يقتضي جعل مرحلة رياض الأطفال إلزامية على السلم التعليمي، بحيث تسبق التعليم الأساسي. وتعد مرحلة رياض الأطفال الركيزة الأولى لتأسيس قاعدة التعليم للمرحلة الابتدائية، لأن إنجاز الطفل في “الابتدائية” يعتمد على رصيده المعرفي والمهاراتي والسلوكي الذي اكتسبه في رياض الأطفال. ووفق إحصاءات رسمية بلغ معدل الالتحاق بالمرحلتين الأولى والثانية لرياض الأطفال 38 ٪ في العام 2015، وهي نسبة متدنية، مقارنةً بالبلدان ذات الدخل المتوسط. ويشكل الأطفال دون سن الخامسة الفئة العمرية الأكبر في الأردن، وعلى الرغم من البحوث الدولية التي تظهر أن الاستثمار في هذه المرحلة العمرية يدر عائدات أعلى بكثير من الفئات العمرية الأخرى، غير أن الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال لا يتلقون خدمات خاصة بالطفولة المبكرة. وركزت جلالة الملكة رانيا العبدالله على أهمية التعليم المبكر في خطابها مؤخرا بقولها، “لنأخذ أول خطوة في أقصر السبل.. وننظر بعين الناقد على حاضر تعليمنا. مئة وخمسون ألف طفل يسجلون في الصف الأول الإبتدائي كل عام، ماذا نقدم لهم؟ ما شكل رحلتهم في منظومة التعليم الأردنية”؟ وتضيف “تسعون بالمئة من تطور الإنسان الدماغي يحدث قبل سن الخامسة.. لكن في الأردن نسبة قليلة يحظون بتعليم مبكر”. و”اثنان بالمئة ممن هم دون سن الثالثة. وثمانية وعشرون بالمئة تقريبا ما بين سن الثالثة والخامسة. بالمقابل تصل نسب إلتحاق أقرانهم في دول منظمة التنمية والتعاون الإقتصادي إلى أضعاف ذلك”.  وصرحت مديرة إدارة الطفولة المبكرة في وزارة التربية والتعليم الدكتورة عالية عربيات لـ (الغد)، إن الوزارة تدرك أن الاستثمار في رعاية وتنمية الطفولة المبكرة يعمل على تحسين مدخلات العملية التعليمية والتربوية التي من شأنها تحسن من جودة التعليم. وأضافت عربيات أنه ونتيجة لإدراك الوزارة لأهمية هذه النقطة، شرعت بتنفيذ خطط وتفعيل شراكات مع جهات داخلية وخارجية لدعم الوزارة في عملها بتحويل الأنشطة من الجانب النظري إلى العملي، إضافة إلى تطوير مهارات الطلبة وذويهم والعاملين في مجال الطفولة المبكرة. وأشارت إلى أن مرحلة الطفولة المبكرة تميز الأردن عن غيره من الدول العربية المجاورة، لأنها تحظى برعاية ملكية سامية من قبل جلالة الملكة رانيا العبدلله، التي أوعزت في العام 1999 بتشكيل فريق مختص لتطوير استراتيجية تنمية الطفولة المبكرة. وقالت عربيات إن الوزارة عقدت في الأول والثاني من آب (أغسطس) 2015، مؤتمر التطوير التربوي، الذي أوصى بأن تصبح مرحلة الطفولة المبكرة إلزامية ضمن السلم التعليمي. وبلغ عدد رياض الأطفال الحكومية في العام الدراسي 1999/ 2000 نحو 15 روضة (KG2) أنشئت في المناطق النائية والأقل حظا. ولفتت عربيات إلى أن الوزارة، وضمن اهتمامها بمجال الطفولة المبكرة، خصصت محورا خاصا للطفولة في مشروع تطوير التعليم نحو اقتصاد المعرفة (إيريفكي). وبينت أن الهدف من رياض الأطفال هو تخريج أطفال ملتزمين في جميع الجوانب الشخصية والجسمية والروحية والاجتماعية والعقلية. وأشارت إلى أن الوزارة، وإدراكا منها لأهمية هذه المرحلة، عملت على رفع كفاءة العاملين في قطاع الطفولة من مشرفين ومعلمين ومديري مدارس، وأخضعتهم لبرامج تدريبية. وبين استبيان لمؤسسة الملكة رانيا للعام الحالي، أن 40 % من الأمهات الأردنيات “لا يقرأن لأبنائهن”، على الرغم من أن البحوث تظهر أن الأطفال الذين تتم القراءة لهم، هم في الغالب أكثر قدرة على التعرف على 10 أحرف من حروف اللغة العربية مع بلوغهم سن الخامسة. كما أظهر الاستبيان أيضا أن 65 % من البيوت لا تحتوي على كتب تناسب أعمار الأطفال في العائلة. وعلقت الإستشارية النفسية والأسرية وأخصائية النمو د. خولة السعايدة، بأنه رغم أهمية التعليم المبكر، إلا أن هذا لا يعني أن تطور الدماغ 90 % معلومة دقيقة، فالعمليات العقلية تبقى تتطور لدى الإنسان، أهمية مرحلة ما قبل المدرسة تكمن في تطوير إدراك الطفل، لأن علماء النفس قسموا مراحل النمو العقلي إلى عدة مراحل بعضها يقع في عمر ما قبل 6 سنوات، فإذا وجدت محفزات بيئية فإنه يتطور وينمو أفضل. وتضيف، لكن نوعية التعليم الذي يحتاجه الطفل في هذا العمر كما يفترض بحاجه إلى أن تركز على نمو عملية الإدراك، وإن أفضل أسلوب هو القائم على اللعب، وأضعفها هو القائم على التلقين، لأنه سريع النسيان وقد وضعت المعلمة مونتيسوري برنامجا تعليميا مبنيا على اللعب للمراحل العمرية المختلفة بما فيها مرحلة ما قبل المدرسة، لذا من الأفضل لو تتبنى وزارة التربية تعليم الأطفال في هذا العمر، لكن على أن تقوم به معلمات مؤهلات لذلك. وتقول السعايدة، “بالنسبة لوجود نسبة قليلة تتلقى تعليما لا أعلم بوجود دراسة حول ذلك، لكن من يتلقون تعليم رياض الأطفال لا يستفيدون كثيرا، كونها قائمة على التلقين والامتحانات والواجبات، فهي غير فعالة، وبالغالب من يدرسهم معلمات غير مؤهلات للتعامل مع هذه المرحلة”. وتردف “عدم إقبال بعض الأسر على إرسال إبنائها إلى رياض الأطفال قد يعود لسببين أولهما مادي، حيث أنه يعتبر مكلفا رغم أن مراكز تحفيظ القرآن تقوم بدور كبير في هذا التعليم وبرسوم رمزية ومن تجربتي الشخصية ومن ملاحظاتي فإن جمعيات ومراكز تحفيظ القرآن أسست الأطفال بشكل جيد، وساعدت الأهالي غير الميسوري الحال. أما السبب الثاني، كما تقول السعايدة، فقد يكون عائد إلى قلة الوعي بأهمية هذا التعليم والاكتفاء بالتعليم الحكومي الذي يبدأ بالصف الأول الأساسي. وعن سلبيات الإهتمام بالتعليم المبكر تقول السعايدة، “ما نلاحظه من تفاوت في قدرات طلبة الصف الأول بين من تعلموا سابقا ومن لم يتعلموا وكيفية تعامل المعلمة مع هذا التفاوت الكبير في القدرات قد تكون بعض الحلول بتبني الحكومة لهذا التعليم أو توعية الأهل بأهمية التعليم وتدريب معلمات هذه المرحلة على التعليم باللعب والابتعاد عن التلقين”. وتذهب السعايدة إلى أنه يمكن للحكومة الاستفادة من رياض الأطفال الخاصة ومراكز تحفيظ القرآن والتنسيق معها بشكل يخدم الجميع. وتلفت مديرة إحدى رياض الأطفال سناء الخوالدة إلى أن دور المدرسة يبدأ مع مراحل التعليم المبكرة في رياض الأطفال، والتي تقوم على زراعة القيم الجيدة لدى الطالب. وتبين أن للأنشطة في مرحلة رياض الأطفال دورا كبيرا في تنمية وتكامل شخصية الطفل، حيث يمنح الطالب ثروة معرفية، كما تسهم في تنمية جميع أبعاد النفس الإنسانية (العقلي، الجسمي، الوجداني، الإجتماعي)، حيث تساعد الأنشطة الطلابية على تكامل وشمول الوسائل التربوية. وترى أن الأنشطة الطلابية تقدم للطالب أعظم اكتشاف يقوم به في الحياة، وهو اكتشاف ذاته، وإدراك مصادر قوته وحسن استغلالها وتنميتها، حيث يعمل النشاط الطلابي على تنمية جوانب شخصية الطالب الأهم والأكثر تأثيرا في نجاحه في المستقبل. ويشير إختصاصي علم النفس التربوي د. موسى مطارنة إلى أن التعليم المبكر بمفهومه الواسع يبدأ منذ الولادة، إذ يكون الطفل صفحة بيضاء ويبدأ بالتعلم، وهذا الأمر مرتبط بالبيئة (الأسرية والإجتماعية) المحيطة به، بأن تكون خصبة بالمعطيات والتعليم والإثارة، وتحدث حالة من القدرة على التعلم والقدرة على النمو الذهني والعقلي والفكري وقدرات الذكاء. ويقول، “تبدأ البيئة الأسرية والبيئة المجتمعية والمساعدات والمساندات والوسائل والأساليب التي تساعد الطفل على نمو سليم ومتكافئ، وتعلم أدوات وطرق صحيحة في التعامل مع الأمور، وبناء شخصيته بشكل سليم من قيم وأفكار ومبادئ، وجميعها تتم بالثلاث سنوات الأولى”. ويرى مطارنة أن الطفل في الثلاث سنوات الأولى يلتقط كل المفاهيم والمبادئ والأفكار والقيم التي تتبلور بشكل سلوكي فيما بعد، منوها إلى أنه من هنا يجب أن يكون هناك تعليم مبكر المقصود به ليس القراءة والحساب والكتابة بالمفهوم الوارد، بل التعليم على المهارات والقدرات، ومنح الطفل مساحة واسعة من التعلم والإستبصار والإدراك والإستنتاج ووضعه في أكثر من موقف لإبراز طاقاته وقدراته. ويؤكد مطارنة على أن الطفل يجب أن يكون لديه وسائل كثيرة يستطيع من خلالها إدراك ذلك، وهذا يتم من خلال الأسرة، وعبر مراكز متخصصة يندمج الطفل بها، موضحا أن أكثر المشاكل التي يتعرض لها الأطفال هي عدم الدمج ووضعهم في حلقة ضيقة، وهذا يسبب لهم الضيق، وتنجم عنه مشاكل في الشخصية فيما بعد. وبين مطارنة أنه لا بد من وضع الأطفال في بيئة تعليمية مناسبة صحية، ودمجهم مع أطفال آخرين، وإخراجهم لأماكن يتعلمون الرسم والفنون والكتابة والصور، وبناء على هذه القواعد الصحية والسليمة يتعلم، وهذا مهم جدا في مراحل نمو الطفل، فإذا لا بد من وضع الطفل في حالة من التعلم المبكر، حيث القدرات العقلية والنمائية تنمو سريعا في مراحل الطفولة المبكرة، ولا بد أيضا من منحه الوسائل والأساليب والقدرات والمهارات الكافية لبناء قيمة معرفية سلوكية شخصية قادرة على تحقيق ذاته في المستقبل.