يمكننا القول بأن العقل نظام حيوي يستغل الفرص المتاحة ويشكل الأنماط المختلفة وينظم نفسه بشكل ذاتي. مع ذلك هذا ليس تعريفا كافيا، فما زال التوصل للتعريف الجامع المانع أمرا صعبا ومحيرا للعلماء. ولقد أظهرت بعض الأبحاث الحديثة المثيرة للاهتمام والتي تم إجراؤها حول قدرة العقل على التكيف والتغير، أنه يمكن للأنشطة المختلفة أن تؤثر على الكتلة الحقيقية للمخ وعلى تنظيم! على سبيل المثال: يمكن للتمرن على العزف على أداة موسيقية بشكل مستمر ولفترة زمنية طويلة أن يعيد - حرفيا - تشكيل معالم العقل. وكان عالم الأعصاب بجامعة "كاليفورنيا" "آرنولد شيبل" قد أجرى تشريحا لجثة عازف كمان شهير، فوجد أن سُمك منطقة الدماغ المسؤولة عن استقبال المسع (الطبقة الرابعة من المخ - القشرة السمعية) كان أكبر مرتين من الحجم الطبيعي كما توصل عالم الأعصاب "مايكل كليجارد" إلى أن حجم منطقة القشرة السمعية في المخ يزداد بالخضوع لتمارين سمعية لفترة زمنية طويلة.
الأمر هنا يبدو كما لو أن العقل يقول : "نحن بحاجة إلى المزيد من المساحة لتتمكن أنت من فعل ما تفعله. لذلك، سنستغل أقرب رقعة متاحة من المخ".
ولقد توصلت دراسة أخرى إلى أن المخيخ ، وهو المنطقة التي تحتوي على ما يقرب من نصف الخلايا العصبية في الدماغ وتشارك في شعورنا بالنغم والإيقاع، كان أكبر بنسبة 5% لدى الموسيقيين مقارنة بالبشر العاديين. تؤكد مثل هذه الدراسات وغيرها أن تكرار ممارسة تمرين دقيق على مدار العديد من السنوات يحفز العقل على إعادة تنظيم نفسه وعلى نمو أعصاب جديدة فيه.
المذهل حقا في الأمر هو أن عملية التنظيم المستمرة تلك لها دائما هدف؛ فهي لا تحدث بسبب إشارات غامضة نابعة من مكان ما من الجسم، بل تعمل طبقا لاستغلال أو إهمال الإنسان لها على أرض الواقع. والعقل لا يضم مركزا واحدا فقط لتلقي الأوامر: فهو عبارة عن نظام يدير مجموعة أخرى من الأنظمة التي تحكمها وتشكلها الخبرات الحياتية والعمليات العقلية المعقدة ، وهي أمور يبدو أنها متغيرة وثابتة، وعشوائية ومحددة في نفس الوقت. إن هذا العقل الذي يتغير باستمرار هو المسؤول عن تبدل خالتك المزاجية، وتفكيرك، وأفعالك من خلال عدد لا يحصى من التغيرات الكهربائية والكيميائية؛ فكل تغير من هذه التغيرات ينتج عنه تحول في الحالة الذهنية.
تعد كل هذه النظريات عن العقل مهمة للمعلم ؛ يرجع السبب في هذا إلى أنها تؤكد لك أن كل طالب لديك في قاعة الدرس عنده القدرة على التغير. بالطبع تلعب الجينات دورا في تكوين هوية هؤلاء الطلبة وفي الطريقة التي يتصرفون ويفكرون بها، لكنهم مع ذلك قادرون على التغير. وحتى أكثر الطلبة فشلا قادر على إحراز تقدم من نوع ما.