كان هناك عداء واضح بين تلاميذ الصّف وزميلهم "علاء" فكل ما يحدث بالصف ينسبونه له، ولا يشركونه في ألعابهم وأنشطتهم في الصف أم في الساحة، وحتى في خلال الرحلات المدرسية كان يجلس وحيدا كالمنبوذ لا يكلمه أحد.
سألتهم يوما : لماذا لا تلعبون مع "علاء"؟
قال أحدعم : إنه لا يحبّنا وينقل كل ما يحصل في الصف إلى الإدارة، يسجل أسماء الذين يتكلمون والذين لا يحضرّون واجباتهم، وحتى ينقل عنكِ وعن المعلمات الأخريات كل ما يصدر عنكن في الصف..
قاطعته قائلة : إذن هو عريف الصف؟
قال : كلا، لأننا جميعا انتخبنا "محمدا" عريفا للصف، أما "علاء" فهو عريف سرّي للمديرة!!!
بعد الحصة حضر "علاء" إلى مكتبي باكيا وهو يقول نادت علي المديرة منذ بداية العام الدراسي ، وهي صديقة أمي منذ كانتا طالبتين في الجامعة، وتزورنا دائما وهي تحبي وتثق بي.. طلبت مني ومن تلاميذ آخرين في صفوف باجتماع خاص معها، أن تخبرنا عن كل ما يحصل داخل الصف أثناء الخصص سواء من المعلمات أم من التلاميذ، مثلا هل المعلمة تضرب أحد التلاميذ؟ وهل تصحح الدفائر أثناء الحصة؟ وهل تميز أحدهم وتوليه اهتماما أكثر من الآخرين؟ وأمور كثيرة أخرى، كذلك عن التلاميذ الذين يثيرون الفوضى والشغب أو الكسالى والمهملين. ثم أضاف : قالت لنا ذلك لأننا - كما أفهمتنا - تلاميذ مؤدبون، هادؤون لا نُفشي الأسرار، لذا فهي تثق بنا كرجال كبار، ويجب أن نساعدها في الحضور نهاية الدوام، من كل يوم لنحكي لها ما حصل في الصف.
قلت له : إذ كان الأمر سرّيا .. فكيف عرف زملاؤك؟
قال في أحد الأيام لحق بي أحدهم وتبعني بعد الدوام، فشاهدني أذهب إلى الإدارة وأظن بل أعتقد أنه قد استمع لبعض ما قلته لها.
ثم أردف قائلا : أرجوك يا معلمتي العزيزة أن تساعديني في التخلص من هذه المهمة فأنا لا أرغبها وبدأت أضجر كوني وحيدا دون أصدقاء، كما بدأ التلاميذ ينعتوني بنعوت غير محترمة..
وأنا لا أريد أن أشي بأصدقائي .. أليس موضوعنا اليوم في درس القراءة (الفتنة أشد من القتل)؟ فكيف إذا تعدُّ المديرة ما أقوم به عملا شريفا وتعدّني مساعدا لها؟؟
هل صحيح أنا عريف سرّي كما يقول زملائي في الصّف؟ أم ماذا؟ أودُّ أن أعرف ما أقوم به.. وهل هو عمل محترم أم لا؟ وهل أنا خائن لزملائي؟ وإذا رفضتُ طلب المديرة فهل أكون غير متعاون مع المدرسة؟ أرجوك أن تساعديني باتخاذ الموقف الصحيح.. ثم بدأ يبكي بألم واستياء واضحين.
إنّ الإدارة التي لا تثق بإخلاص معلماتها ولا تغمرهن بحرية وعفوية التصرف أثناء الحصص، ومنحهن صلاحية اتخاذ القرار الصحيح حسبما يتطلبه الموقف في حينه، فكيف تتوقع الإخلاص والولاء لها وللمدرسة؟
حين تشعر المعلمة أنها خلال الحصة ليست سوى آلة لإدخال المعلومات في أذهان التلاميذ فقط ولا يجوز لها والعطاء في حوارات مختلفة مع التلاميذ وخارج نطاق المادة المقررة، وفتح قنوات بينها وبين تلاميذها للتعرف على مشاكلهم ومساعدتهم تحصيليا وسلوكيا، فكيف نتوقع منها الإبداع والابتكار والتحليق بعيدا عن المقرر بإضافة معلومات جديدة أخرى؟
أما بالنسبة للتلاميذ، فهل يجوز لنا أن نحرم مثل هذا الصغير من حب واحترام زملائه، وحرمانه من متعة قضاء أسعد الأوقات برفقتهم خلال الرجلات والفرص؟ وهل يجوز لنا أن نجعله يشعر بالذنب والحيرة والارتباك وعدم التوزان الفكري والعاطفي لعدم إدراكه مفهوم ما يقوم به، وتأرجحه بين تقدير المديرة له من جهة وبين نبذة وعدم احترام زملائه له من جهة أخرى.
افتقدتُ علاء عدة أيام .. سألت عن سبب غيابه .. فعلمت أنه قد انتقل إلى مدرسة أخرى .. ليبدأ حياة أخرى ..
مي شبر