المؤلف:
حسام عواد

يجدر بكل واحد مثقف، أن يميز بين الأحكام القيمية الفردية، والأحكام القيمية العامة. ونعني بالأولى: تلك الأحكام الصادرة عن الفرد الواحد ليس غير. أما الثانية، أو الجماهيرية أو الرأي العام، فهي الأحكام التي يعبر عنها مجمل الناس في المجتمع. وتقع ضمن الفئة الأولى التفضيلات الفردية، مثل تفضيل أحدنا الخضار على الفواكه، أو شراب الزعتر على شراب الشاي.. أو العكس. فأياً كان الرأي هنا، فإنه ليس مهماً عند أيٍ كان غير صاحبه. أما في الحالة الثانية، فقد يصيب الشر أو الخير جراءها كثيراً من الناس. في الأولى، لا نزعج أنفسنا كثيراً بطلب الدليل، لأن الحُكْم هنا شخصي تماماً، أو خاص جداً؛ فالفرد هو المعني به، وليس لديه سبب يجبره على إقناع نفسه أو غيره به. فقد تناول الخضار والفواكه في الماضي، وانتهى به الأمر في تفضيل الخضار على الفواكه، أو التين على العنب.  أما في الحالة الثانية من الأحكام، فإننا نطالب، عادة، بتقديم أسباب وأدلة تؤيدها، وإن لم يكن ممكناً إقناع الناس، كل الناس بها. وللعلم، فإنه لا هذا الحكم صحيح مطلقاً، ولا ذاك، لأن الحكم القيمي الفردي أو الشخصي، والحكم القيمي العام، ليسا بحقائق يمكن أن توصف بالخطأ أو بالصواب. إنك لا تستطيع أن تقول عن أي منهما إنه خاطئ أو صحيح مئة بالمئة مثل قولك: 1+2 = 3 صحيح. أما المسألة الأخرى التي يجب أن ننتبه إليها هنا، فهي أنه وإن كان يمكن السماح للأفراد أن يقرروا لأنفسهم بأنفسهم في المسائل الشخصية، إلا أننا لا نستطيع السماح لهم باتخاذ قرار مثل وجوب أو عدم وجوب تخفيض قيمة الدينار. إن الرأي أو صاحب القرار أو السلطة في أمر كهذا هو الرأي العليم أو الخبير، وإلا كانت النتائج مدمرة (مستخلص من كتابي: "الديمقراطية هي الحل"، 1991 و2001). لقد قرر خبراء المال في أميركا تخفيض قيمة الدولار، كما جعلوا الفائدة على المدخرات في البنوك صفراً. ولم يقم الكونغرس بالاعتراض على ذلك، أو التدخل فيه. كما لم يُطلب من الرأي العام الموافقة عليه أو رفضه، مع أن النتائج الإيجابية المتوقعة لذلك التخفيض قد لا تتحقق. أسوق هذه المقدمة، لأحذر بعض وسائط الإعلام وبخاصة التلفزيون، من اللجوء إلى استبانة الناس في مواضيع من اختصاص الخبراء، وذلك مثل استبانة إحدى القنوات الفضائية الخاصة المحترمة، المتعلقة بامتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، والتي جاء فيها أن خمسة وسبعين في المئة من الناس أيدوا بقاءه. لكن هل يعرف الناس أو الجمهور المُستبان أنه يوجد نحو خمسين نوعاً من الامتحانات أو الاختبارات (ذكرتها في "الغد"، بتاريخ 30/ 3/ 2015)؟ وهل يعرفون الفرق بينها، وأهداف كل منها؟ هل يميز الناس العاديون بين الامتحانات المقالية والموضوعية؟ وهل يعرفون أيهما أفضل قياساً للتعلم أو للتعليم؟ ماذا يكون جوابهم لو سألناهم: هل تثق بنتائج امتحان "التوجيهي" إذا سقط ابنك أو ابنتك فيه، مع أنه خضع لنحو ألفي امتحان مدرسي منذ التحاقه بها، وحتى تخرجه فيها، وكان يُرفّع بموجبها في نهاية كل عام من صف إلى صف أعلى؟ هل توافق بينك وبين نفسك على نجاح ابنك أو ابنتك فيه بالغش؟ هل توافق على ضرب المعلمين والمعلمات للتلاميذ؟.. وهكذا. لقد كانت إجابات الناس عن الاستبانة الإلكترونية للمحطة الفضائية عاطفية أكثر منها علمية. لعلها كارثة تربوية بناء وزارة التربية والتعليم قراراتها حول الامتحان أو غيره على نتائج استبانات متسرعة وعاطفية كهذه، أي ذات طابع شخصي، كما في حالة الخضار والفواكه.