أذهلني بعض طلبة كلية الهندسة في إحدى الجامعات الرسمية عند إخبارهم لي أن أساتذة ومدرسين فيها تخلّوا عن تعليم الطلبة المواد المقررة في الفصل الصيفي لوقوع بعضه في شهر رمضان، وانشغلوا في الحديث في مواضيع دينية وغير دينية تضييعاً للوقت بدلاً من ذلك. يعرف هؤلاء أن الوقت المدرسي والجامعي أولوية مركزية من أولويات المدرسة والجامعة، وأن المعلم أو الأستاذ يتحكم به، وأن طريقة وكمية استخدامه تعكسان قيم المعلم والأستاذ والمجتمع؛ حسب ما تفيد الأستاذة والمستشارة التربوية روبين. جي. فورغاتي في كتابها القيم "ادعُ، أبهج، استثر" (Invite, Excite, Ignite)، الصادر في العام 2016. لكن يبدو أنه ليس للوقت قيمة عند العرب، حتى في مدارسهم وجامعاتهم. ولذلك يقتلونه كل يوم ولا يحاسبون عليه. ومن ثم لا تستطيع تكوين تلميذ/ة أو طالب/ة معرفي ومبادر ومستقل التفكير وفاعل. يحتاج التلاميذ في المدرسة (والطلبة في الجامعة) إلى ثلاثة أنواع من الوقت، كما تقول فوغارتي، وهي: "وقت للتعلّم، وآخر للعب والترويح، وثالث حر للراحة أو الهدوء". وبتطبيق هذا المفهوم على مدارس العرب وجامعاتهم، نجد أن الوقت الأول مرتبك، والثاني والثالث غائبان من المدرسة والجامعة؛ فلا نشاطات مرافقة للمنهاج في المدرسة والجامعة، ولا متسع فيهما لغير الفراغ بين الحصة والحصة، ولا فرصة للتلاميذ والطلبة للراحة والهدوء والتأمل. وبغيابهما لا يتمكن التلاميذ والطلبة من هضم الأفكار واستيعاب المعلومات التي تعلموها في الوقت الأول، ومن تحويلها إلى معارف. إن مركزية الوقت في التعلّم والتعليم تقضي بعدم تضييع دقيقة واحدة منه، كي تتحقق أهداف التعلم والتعليم. ولعل احترام الوقت واستخدامه جيداً كما هو مخصص له، أعظم هدية تقدمها المدرسة لتلاميذها، والجامعات لطلبتها. ونعود للأستاذة فوغارتي عبر كتابها المشار إليه، فنقرأ عن تجربتها في تعليم الصفوف الابتدائية الأولى، وأنها استطاعت تعليم كل طفل/ة في الصف الأول الابتدائي القراءة والكتابة، بعكس ما يدعي بعض المعلمين والمعلمات بأنه لا يمكن ذلك. وتضيف: إنني أستطيع تعليم القراءة لكل طفل/ة عادي بمعرفة مفتاحه للتعلم. إنني أهتم بالقراءة لأنها تفتح الآفاق للطفل، وتوسع عالمه. وإذا لم يتعلم الأطفال القراءة، فإن كل ما يسمى بالمدرسة لا قيمة له. وعندما تبدأ الرحلة ويتعلم الطفل القراءة، فإن على المعلم/ة البحث عن المواد التعليمية المثيرة ليواصل الطفل القراءة التي يزداد بها عدد الكلمات التي يتعلمها في كل مرة، ويتحسن فهمه واستيعابه لما يقرأ". ويرى أساتذة التربية أن بناء المحفظة اللغوية للطفل/ة هو أهم شيء يمكن أن يقوم به المعلم/ة، لأنه يساعد الطفل/ة على القراءة بمهارة ونعومة وفهم. وتتكون المحفظة اللغوية للطفل/ة والمعلم/ة من ثلاثة مداميك أو أركان، هي:1. الكلمات اليومية التي يتعلمها الطفل في العادة أوتوماتيكياً؛ من خلال الكلام اليومي والاستماع في أثناء الطفولة المبكرة؛ 2. المفردات الأكاديمية التي يتعلمها الطفل/ة في المدرسة وتُتعلم بالقراءة والكتابة؛ 3. المفردات الخاصة بالمادة الدراسية أو الموضوع العلمي؛ فلكل علم مفرداته ولغته، وهي أكثير تعقيداً من الركنين السابقين. إن ذلك يعني أن على كل طفل/ة أو متعلم/ة معرفة المفردات الثلاث ليكون متعلماً، ويتعلم من المهد إلى اللحد.
أ. حسني عايش