حركة عدم الانحياز
بدأ الاستعمار ينحسر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ فحصلت كثير من الدول على استقلالها، وقد عُرفت هذه الدول باسم "الدول النامية" ، وراحت تبحث عن مركز لها بين دول العالم من دون انزلاقها في الحرب الباردة، وذلك بإبعادها عن محاور الدول الكبرى وأحلافها.
لقد أدركت هذه الدول الحديثة الاستقلال حقيقة الخطر الذي يكمن وراء هذه الأحلاف، فحاولت جهدها أن تتمسك بميثاق الأمم المتحدة، وأن تنطلق منه دوما، وتجعله موجها لسوكها، وتعمل بموجب أحكامه، وأن بكون لها موقفها الخاص حِيال الأحداث والأحلاف، وأن تسلك سياسة حكيمة رائدها المصلحة القومية والعمل على إحلال السلام والوئام محل الحرب والدمار؛ لإبعاد شبح الحرب وبذل الجهد لخير أبنائها وخير البشرية جمعاء. وقد عُرفت هذه السياسة باسم سياسة الحياد الإيجابي، أو عدم الانحياز.
كان المنهج الأساس لحركة عدم الانحياز في العلاقات الدولية هو "التعايش السلمي"، وقد استند هذها المنهج إلى المبادئ الآتية:
1- الاحترام المتبادل لحق السيادة على كامل الأرض.
2- عدم العدوان.
3- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
4- التعاون المتبادل المفيد على أساس المساواة.
2- مؤتمرات عدم الانحياز
يُعد مؤتمر باندونغ (1955م) ، الذي عقد في إندونيسيا بمشاركة (26) ست وعشرين دولة أسيوية وأفريقية، الخطوة الأولى لظهور حركة عدم الانحياز، وقد حاولت هذه الدول وضع سياسة مشتركة لتحريرها من التبعية السياسية والاقتصادية لأي من الكتلتين الشرقية والغربية، وكان للرئيس الهندي جواهرلال نهرو، والرئيس المصري جمال عبد الناصر، والرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو، ورئيس وزراء إندونيسيا أحمد سوكارنو دور مهم في بلورة سياسات عدم الانحياز. وتشكّل في هذا المؤتمر مفهوم الحياد الإيجابي، الذي حل محله لاحقا مفهوم عدم الانحياز.
وفي عام 1956م عقد مؤتمر بريوني لدول عدم الانحياز في يوغسلافيا، وقد أكّد المشاركون قرارات مؤتمر باندونغ، وطالبوا بحظر التجارب النووية، ووقف التسلّح، ودعم نضال الشعبين الجزائري والفلسطيني.
وفي حزيران 1961م عُقد في القاهرة المؤتمر التحضيري، بمشاركة وزراء خارجية (21) إحدى وعشرين دولة آسيوية وإفريقية، فضلا عن يوغسلافيا وكوبا؛ للتحضير لانعقاد أول مؤتمر لرؤساء دول عدم الانحياز في بلغراد، وفي هذا المؤتمر تم تعيين خمسة مَوازين لعدم الانحياز.
وقد استمر تطور الحركة وتزايد عدد أعضائها إلى أن بلغ في عام 1997م (133) مئة وثلاث عشرة دولة من دول آسيا، وأفريقيا، وأوروبا وأمريكا اللاتينية.
3- أهداف عدم الانحياز
تتضمن أهداف عدم الانحياز، طبقا للموازين التي حّددها المؤتمر التحضيري في القاهرة (1961م) ، ما يأتي:
أ- تبنّي سياسة مستقلة على أساس التعايش مع الدول ذات الأنظمة السياسية والاجتماعية المختلفة.
ب- حماية الحركات التي تكافح من أجل الاستقلال الوطني.
ج- عدم الانضمام إلى حلف عسكري متعدد الأطراف تشترك فيه الدول الكبرى.
د- عدم الارتباط بمعاهدة عسكرية ثنائية مع إحدى الدول الكبرى.
هـ- عدم السماح لدولة أجنبية بإقامة قواعد عسكرية على أراضي الدولة غير المنحازة.
وفي عام 1982م أعلنت أنديرا غاندي، ابنة جواهر لال نهرو، وأن أباها كان يعتقد أن الدول غير المنحازة كانت تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي :
* التحرر من القيود الاستعمارية.
* تخفيف التوتر على الساحة الدولية.
* النمو الاقتصادي.
4- الإيجابيات السياسية لعدم الانحياز
كان لحركة عدم الانحياز بعض الإيجابيات السياسية التي انعكست على العالم النامي، والدول العربية، ومنها:
أ- التأييد السياسي والمعنوي عبر مؤتمرات الكتلة لقضايا التحرر العالمية والعربية، فقد احتلت القضية الفلسطينية في أواخر السبعينيّات دور الصدارة في قضايا حركة عدم الانحياز.
ب- تشكيل قوة ضغط معنوي؛ للحد من الارتباط بالدول الكبرى.
ج- التأثير في قرارات الأمم المتحدة، ولا سيّما قرارات الجمعية العامة، أو توصياتها باستغلال القوة التصويتية لدول الحركة.
د- العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء بإنشاء صندوق التضامن للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وصندوق تنظيم أسعار المواد الأولية، ومجلس للدول النامية المنتجة للمواد الأولية والمصدرة لها.
من خطاب الملك الحسين بن طلال في مؤتمر قمة عدم الانحياز (1979م) "إنّ على حركتنا (عدم الانحياز) أن تحافظ على منطلقاتها الاستقلالية هذه، وأن تظل مجموعة دول تعمل على إحلال السلام العادل في العالم، وبناء علاقات دولية تقوم على التعاون والتكافؤ والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وعلى حركتنا أن تكون قوة إيجابية فاصلة بين المعسكرين الدوليين المتصارعين، تحول دون اشتداد التنافس المصلحي واحتمالات الصدام المدمّر في العالم، وتنشر روح التعاون البنّاء بين الدول .. وعلى حركة عدم الانحياز أن تعمل بشكل موحّد لحماية استقلال وسيادة الدول الصغيرة من تطاول الدول الكبيرة، وأن تدعم حقّ تقرير المصير للشعوب الزراحة تحت الاحتلال، أو السيطرة الأجنبيبة، أو سيطرة الأقلية العنصرية".
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظهرت ثلاثة تيارات في حركة عدم الانحياز، وهي:
* تيار يدعو إلى أن الحركة فشلت في تحقيق أهدافها. وبالتالي فقدت مسوّغ وجودها.
* تيّار يدعو إلى دمج الحركة مع مجموعة أل 77 على أساس أن التوجّه الدّولي أصبح نحو التكتّلات الاقتصادية.
* تيّار يدعو إلى استمرار الحركة وإدخال تغييرات على طبيعة عملها، وهو موقف قريب من الموقف الذي يتبّناه التيار الدولي.
وقد حرص الأردن – وما يزال – على حضور مؤتمرات قمّة دول عدم الانحياز، ودعم القرارات التي تُتّخذ لصالح الحركة والعالم.
إن العالم الآن يمرّ بفترة تزداد فيها التوتّرات؛ فالحرب الباردة قد انتهت، ونظام الكتلتين، الذي يسيطر على العالم، قد اضمحلّ ، وظهرت مفاهيم جديدة في مجال العلاقات الدولية، وهذا يؤكد أن حركة عدم الانحياز لا يمكنها البقاء بعيدة عن حفظ الأهداف الأساسية الأولية للمؤسّسيين.