تنشأ في كل مدرسة عامة أو خاصة، وفي كل جامعة عامة أو خاصة، تقاليد ثقافية مدرسية أو جامعية خاصة بكل منها. وهي -عادة- تتعلق بالسلوك والقيم والاتجاهات والقناعات. وبمرور الوقت، تُعرف هذه الثقافة عنها، أو تُعرف بها، ويشار إليها بمجرد ذكرها؛ لأنها تعيد خلق التلميذ أو الطالب وتصقل شخصيته؛ فيقال: هذا خريج المدرسة أو الجامعة الفلانية، وهذه خريجة المدرسة أو الجامعة العلانية.. وهكذا. وتتكون هذه التقاليد أو الثقافة العامة بالسياسة المتبعة في المدرسة والجامعة، والمتمثلة في سلوك المديرين والرؤساء والمعلمين والمعلمات والأساتذة والأستاذات والعاملين كافة فيها. لكن هذه التقاليد أو الثقافة لا تنشأ وترسخ وتدوم وتتجلى في الخريجين، إلا إذا كان الجميع في انسجام تام؛ فلا يلغي أو يشوه أحد منهم سلوك الآخر، أو القيم والاتجاهات والقناعات المرفوعة، والتي لا تتغير بدورها بتغيرهم. إن قلة قليلة من المدارس الخاصة في الأردن تحرص على مثل هذه الثقافة. وتجنباً للاحراج، فإنني لن أذكر أي واحدة منها. أما المدارس الحكومية اليوم، فلا تعرف شيئاً عن هذه الثقافة ولا تفكر فيها، لغياب الاستقرار الإداري والتعليمي فيها. وأتصور أنه في الجامعات الحكومية، والخاصة كذلك، ربما تكون طريقة التعيين أو التغيير المستمر، وبلا هدف، اللذين يجريان في مجالسها، وفي إداراتها ورئاستها، وللتباين الدائم في سلوك وقيم المديرين والرؤساء والمعلمين والمعلمات والأساتذة والأستاذات والعاملين فيها، واضطراب القرارات التي يصدرها مجلس التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي، ومجالس الأمناء، وانتهاك أسس القبول لأبسط مبادئ العدل والمساواة.. كل هذا هو ما يجعل الثقافة السائدة -عموما- سلبية أو مراوغة أو انتهازية؛ كل واحد يحصل على ما يرغب فيه بشطارته أو بواسطته. فبعدما صارت ثقافة الواسطة والمحسوبية هي السائدة، فإنّ كل واحد -أو حتى على كل واحد- أن يمارسها، فأنت لا تستطيع أن تسير مستقيماً في طريق معوجة. والنتيجة، تخريج تلاميذ مدارس وطلبة جامعات على هذه الشاكلة. فالمدخلات تتحول إلى نتاجات من جنسها. وبما أنهم يعانون من أنواع الفراغ الفكري أو الثقافي، فإنهم هؤلاء الطلبة سرعان ما يسقطون بين أيدي المتطرفين والإرهابيين، أو يلجأون إلى العنف لحل أبسط المشكلات. لعله لهذا السبب، ولأسباب وعوامل أخرى، نشأ العنف في الجامعات، ويُخشى أن يصبح جزءاً من ثقافتها العامة التي يكتسبها طلبتها. وإذا لم تصدق ما ادعي، فاسأل خريج أي مدرسة أو جامعة: ماذا تعلمت، أو اكتسبت غير قبضة أو حفنة المعلومات البائدة بما تخصصت به؟ هل اكتسبت قيم الصدق والأمانة والنزاهة والصبر والحوار والجدية في العمل والقيام بالواجب…؟ ما رسالتك في الحياة والمجتمع والعالم؟ هل كان المدير أو الرئيس أو المعلم أو المعلمة أو الأستاذ أو الأستاذة قدوة لك؟ هل كنت تنظر إليه باحترام وإعجاب؟ هل قرأت كتاباً منذ تخرجت؟ لقد سألت عشرات الخريجين من الجنسين ممن تخرجوا في السنوات العشر الأخيرة فيما إذا قرأ أحدهم كتاباً، فكان الجواب: لا، لم اقرأ. فقلت في نفسي: ربما لم يقرأ كتاباً في المدرسة أو الجامعة، وربما لم يقرأ من علموه كتاباً أيضاً. لقد تجرأ أحدهم وأسرّ لي أن بعض أساتذة في جامعات يقبلون أو يطلبون هدايا أو رشوة من الطلبة، كالسجائر والعطور والشوكولاتة. بل إن أحدهم قال لي إنه لم يحضر دروس أحد الأساتذة لأن الأستاذ ابن عم أبيه، ومع هذا فقد أعطاه علامة كاملة في نهاية الفصل. وهمست في أذني فتاة تخرجت في جامعة خاصة أن معظم الطلبة الوافدين لا يداومون ولا يتعلمون، ما داموا دافعين للرسوم. فأين مستقبل العرب عندما يصبح هؤلاء مسؤولين في بلدانهم؟ عندما كشفت الأزمة المالية والاقتصادية في أميركا عن فساد بعض المديرين التنفيذيين الكبار من خريجي جامعة هارفارد، اتُهمَت الجامعة بالتقصير بواجبها، وبعدم إعدادهم أخلاقيا. لكن التصنيفات الدولية للجامعات التي تقع هارفارد في قمتها، لم تستطع أن تكشف عن هذا العبث أو النقص الخطير فيها.