المؤلف:
الإشراف التربوي
مقالات الأوائل

إشراق كمال عرفة : في مقابلة إحدى القنوات مع الأول على المملكة لهذا العام في امتحانات التوجيهي، أشار الطالب إلى أن سر نجاحه هو الجهد الذاتي. والذي يتمثل بالمواظبة على الدراسة اليومية التي كانت تستغرقه من خمس إلى سبع ساعات حتى ينهي كافة واجباته المدرسية. واتفقت معه في ذلك الأولى في قسم الأدبي في اتصال هاتفي أجرته معها ذات القناة. وأضافت إلى أن مرحلة التوجيهي ليست بالصعوبة التي يروج لها الكثيرون؛ فالدراسة اليومية تذلل تلك المرحلة، وتساعد الطالب على النجاح في الامتحانات. فتساءلت مع نفسي: «هل الدراسة الذاتية وحدها حقا تكفي لتحقيق ذلك؟». واستذكرت تلك المرحلة عندما كنت طالبة فيها. فأدركت أن ما تم ذكره في تلك القناة عن النجاح في التوجيهي ليس واضحا. فهناك مشكلتين أساستين تواجه طلبة التوجيهي، والتي يجب توضيحهما واقتراح الحلول المناسبة لهما ليتمكن الطلبة بعدها فعليا من النجاح.

فالمشكلة الأولى تتمثل بارتفاع نسبة تسيّب الطلبة من الغرف الصفية. وهذا ما نشهده في انتشار معظمهم أثناء الدوام المدرسي على مختلف الطرقات والأرصفة وداخل المطاعم والملاعب وحول أكشاك القهوة والدخان. وذلك بسبب سوء الإدارة والمراقبة لمعظم مدارس المملكة؛ الحكومية منها والخاصة. فيأتي تباعا الفشل في ضبط الطلبة، والتهاون في تنفيذ القوانين، و»تدليل» الطلبة بالسماح لهم بمختلف التجاوزات والمخالفات داخل الحرم المدرسي؛ كشرب الدخان داخل أروقتها، والخروج من الصف أثناء الحصة، والسماح بتناول مختلف الأطعمة والأشربة خارج الأوقات المخصصة لذلك، فيكون الطالب حينها فاقدا للتركيز غير قادر على ضبط نفسه والالتزام في الدوام. ومن جانب آخر، نجد أن المهارات الخاصة للتدريس يفتقدها السواد الأعظم من المعلمين والمعلمات، فتكون لها الدور في أن تجعل الطالب مهملا وغير مكترثا لما يتم تداوله داخل الصف. ومنهم من ينتابه الملل والسأم ويشرد ذهنه خارج الصف. والحل لهذه المشكلة يتمثل بداية بوعي الأهل للطالب حول أهمية الالتزام بالتواجد داخل الحصص، تدريب المعلمين على مهارات التدريس، وفرض الأنظمة والقوانين الداخلية على الجميع دون استثناء. هذا إضافة إلى ما أظهرته إحدى الإحصائيات التي قام بها كتاب تحفيز طفلك Motivating your child عن الأسباب التي تحفز الطلبة على التعلم داخل المدرسة. فكانت من إجابات الطلبة: توفّر المعدات والأدوات الجديدة داخل المدرسة، السمعة الطيبة لها، وتطبيق أسلوب تعليمي إيجابي وتشجيعي.

.

أما المشكلة الثانية التي يعاني منها طلبة التوجيهي، فتتمثل بإهمال الطالب منهم للمنهاج المقرر. وذلك بسبب الظن الخاطئ أنه غير كاف للنجاح. وهذا ما شجع عليه استثمار بعض المعلمين في بناء المراكز التعليمية المختلفة، وإعطاء الدروس الخصوصية بناء على مختلف المطبوعات أو «الدوسيات» التي تمتلئ بمختلف الأسئلة وتخلو من أي شرح ومن أية صور توضيحية للدروس. وأذكر هنا جيدا معلمتي في الثانوية التي كانت تغدق علينا بأوراق عمل متشبعة بمختلف الأسئلة تقوم بإعدادها شخصيا بتجميعها من هنا وهناك، والتي كانت تستهلك كامل الحصة في حلها دون أي شرح للمفاهيم الأساسية للدرس أو سؤالنا بفتح الكتاب من أصله. ولاحظت استمرار هذه «الموضة» حتى يومنا هذا. فكان أن طلب مني مؤخرا أحد الأقارب، وهو طالب في الثانوية، مساعدته في شرح إحدى دروس مادة الرياضيات. وحينما هممت بفتح الكتاب المقرر. قال لي بالحرف الواحد: «لا داعي لهذا الكتاب. فقد أخبرنا الأستاذ أن نركز فقط على هذه الدوسية كون جميع أسئلة الامتحان ستأتي منها». فقمت بتناول الدوسية ووجدتها ممتلئة بالقوانين والأسئلة. فسألته: «أين الدرس؟». فقال: « إن ذلك غير مهم. علينا فقط حفظ هذه القوانين وحل الأسئلة الموجودة أسفلها وسننجح!». وبالرغم من بساطة هذا القول إلا أن انتشاره بين الطلبة، وإيمانهم بصحته سيهدد مستقبلهم لا محالة. فالمنهاج المقرر هو مشروع ضخم ومدروس يقوم عليه أكثر الأساتذة خبرة ومن حملة الشهادات العليا. كما أنه يمر بعدة مراحل طويلة من التدقيق والتعديل والتنقيح والضبط للتأكد من مناسبته لمستوى الطلبة من ناحية الشرح والأمثلة التوضيحية وصحته علميا ولغويا. فكيف يمكن لدوسية تمت خلال سويعات من أن تحل مكانه في توصيل فكرة الدرس إلى الطالب؟ هذا إضافة إلى عدم تأهل كاتبها لمثل تلك المهمة، وانعدام من يدقق ويراجع محتوياتها قبل طرحها للطلبة. وكنت بالفعل قد وجدت أخطاء علمية فادحة فيها. حينها وضحت الأمر لقريبي أهمية الفهم والاستيعاب للتمكّن من حل أيّة مسألة، وليس فقط حفظ الأسئلة في الدوسية. فالامتحانات العامة تجدد أسئلتها على الدوام ويمكن التمرّن على حل أسئلة عديدة ولكن ليس قبل فهم الدرس وقوانينه بشكل تام وكامل.

وبالاعتماد على المنهاج المقرر للفهم والاستيعاب، والالتزام في حضور الحصص الدراسية، والمواظبة على الدراسة اليومية سيتمكّن أي طالب توجيهي من النجاح في الامتحانات العامة. كما ويجب الإشارة إلى أهمية التركيز والانتباه إلى شرح المعلم داخل الغرفة الصفية. وفي حال وجد الطالب نفسه غير قادر على فهم شرح أستاذه، يمكنه حينها الاستعانة بمصادر أخرى للفهم وليس للحفظ، مثل: عمل مجموعات دراسية مع الطلبة الآخرين، سؤال أحد الأقارب للمساعدة، وقراءة أكثر عن الدرس من مصادر أخرى موثوقة كالكتب المختلفة التي تتكلم عن ذات الموضوع. إضافة إلى متابعة مختلف الفيديوهات الأكاديمية المنتشرة على موقع «اليوتيوب» والتي فيها يشرح بعض الأساتذة الموضوعات المدرسية، ومنها تلك المتعلقة بمرحلة الثانوية العامة.

سهل الله دربكم، وأعانكم على الالتزام والمثابرة يا طلبة التوجيهي. ومبارك لأوائل المملكة ولباقي الطلبة الناجحين.