المؤلف:
ندى

 

كتب وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق د. وليد المعاني - 
 
 
مرات و مرات يطل علينا المنظرون و يتحدثون عن رؤاهم لما يعتري التعليم العالي من مشاكل، و هم يكررون نفس الافكار التي نادوا بها خلال السنوات العشر الماضية، وهي الغاء الإستثناءات، و تحصيل كامل الرسوم من الطلبة و البدء بإمتحان قبول للجامعات.
 
ما زال هؤلاء يتشاطرون نفس الفكر الذي يعتقد بأن مشكلة التعليم العالي تقع في مدخلاته، وبالتالي ان تم اصلاحها صلح التعليم وتحسن، وتتناسى المجموعة ما يدور داخل الجامعات نفسها من أمور انحرفت بالتعليم العالي عن مبادئة وأصوله، فمن التلقين إلى سوء الأساتذة وعدم اهليتهم والواسطة في تعينهم، وتنمر المتنفذين في إملاء السياسات على الإدارات الجامعية، إلى العجز المالي المتراكم الذي لا يسمح بتطوير أو تقدم، إلى التردد في إتخاذ القرارات، وإتخاذها دون دراسات لها ولعواقبها. ناهيك عن اللهاث وراء إرضاء الإدارات مهما كان رأيها، والتوقف او حتى الخوف من ابداء الرأي المخالف. و الإبتعاد عن تطبيق العدالة ليس بين الطلبة انفسهم ولكن بين كل من له علاقة بالحرم الجامعي. لقد غاب أي فكر استراتيجي واصحبنا ندير الدنيا يوما بيوم، فلا ندري أشمس الغد قادمة أم لا؟
 
تؤكد أفكار هؤلاء على ضرورة تحصيل الكلفة حتى من الفقراء القادرين على الإلتحاق بالجامعات، و من أموالهم ستجدد البنى التحتية وتدفع رواتب اساتذة و موظفي الجامعة. ويتحدثون عن القروض والمنح التي تقدمها الدولة، وهي الاموال التي مرة تحسب مع الدعم الجامعي ليظهر مرتفعا ومرة تحسب مع المنح والقروض لبيان كمها الكبير، وهو نفس المبلغ يحسب هنا وهناك.
 
ويركز هؤلاء المنظرين بصورة لا لبس فيها على مواصلة تسمية دخول أوائل الألوية والمحافظات على انها استثناءات، وما زالوا يعتقدون ان أبناء القوات المسلحة والمعلمين يلتحقون بالجامعات دون المعدل، مع علمهم بأن اكثر من دراسة اجرتها جهات محايدة وفي لجنة تنسبق القبول الموحد وفي وزارة التعليم العالي اثبتت بدون أي شك ان هؤلاء لو تركوا للتنافس المطلق لحصلوا على نفس مقاعدهم.
 
ثم نأتي لثالثة الأثافي التي تتم المناداة بها، و هي امتحان القبول، وقد نجح البعض في ادخال كلمات قريبة من هذا المعنى في الاستراتيجية الوطنية. وكنا دوما نسأل لماذا امتحان قبول وامتحان الثانوية العامة موجود؟. ان كنت تريد امتحان قبول فألغ الثانوية العامة، أما أن نقرر امتحانات و سنوات تحضير لنقبل الطلبة فهو أمر لا يستقيم في وجود امتحان الثانوية المعياري، الا ان كنا نريد وضع عقبة أمام من حقق شروط الثانوية العامة وبمعدلات مرتفعة لنمنعه من الإلتحاق بطريقة نلومه فيها و لا نظهر كمن منعه و حرمه.
 
أتمنى على المحاضرين في التعليم العالي و من يكتبون فيه، وهم كثيرون، النظر لأحوال الناس بطريقة عملية واقعية بعيدة عن التنظير، وان لا يقفوا في طريق آمال الناس في التطور و التقدم. و ارجو منهم ان يقتربوا من نبض الناس ويسمعوا مطلبهم الحق في تعليم عال جيد، فالناس محبطة وليسوا بحاجة لإحباطات جديدة، هم يحبون و طنهم و يفدونه بالمهج و الأرواح، و يحبون قيادتهم الهاشمية ويفدونها بالأرواح، ويودون لو ان بعض حبهم عاد على اولادهم علما نافعا، يخدمون به مرة اخرى وطنهم ليزداد حبهم له حبا، فهم اللذين ماتوا على اسواره و في خنادقه وفي سمائه وتعبوا في بنائه حتى انهكت قواهم، فصنعوا هم وآباؤهم وطنا ننعم بالعيش فيه و يحسدنا الكثيرون على ما به من نعم من الله بها علينا.
 
إنني ادعو لعكس ما يدعو اليه جميع المحاضرين، ادعو لمجانية في التعليم العالي، اقترحت لها آليات محددة في مقالات عديدة سابقة، وادعو للعودة في اختيار قادة الجامعات بطرق تبعد اللجان والمتدخلين فيها والمؤثرين عليها عن بيت التعليم العالي. وادعو للتوقف عن تشتيت الأفكار وتحجيم المشاكل الكبرى، وأن نركز على التعليم الذي انشئت الجامعات من اجله، وادعو في النهاية إلى ترشيد الحاق الموظفين ببرامج الدكتوراة، والتوقف نهائيا عن تعيين خريج الجامعة من مستوى الدكتوراة ليدرس فيها.