الاهتمام برأي الطفل يمنحه الثقة بالنفس ويعد جيلا قادرا على صنع القرار
في أدق تفاصيل حياة أبنائها الثلاثة، تتناسى أم ماجد استشارتهم في أمورهم التي يعتبرونها شخصية رغم صغر سنهم. وترى أم ماجد أن اتخاذ القرار والاختيار أمر يخصها هي طيلة فترة طفولة أبنائها الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و9 سنوات، مبررة ذلك بأن الأطفال ولغاية فترة زمنية لا يكونون على قدر كاف من الوعي ليقرروا بعض الأمور الخاصة بهم مثل العادات اليومية أو اختيارهم أماكن الزيارة والألعاب، أو حتى التوقيت الذي يفضلونه في أي أمر. وتشاطر ريما الجمل أم ماجد الرأي، في أن الأطفال قد يجهلون الكثير من الأمور في حياتهم، وعلى الأم أن تكون هي التي تقرر كل ما يخصهم، ولكن لا ضير من إشراكه في التفاصيل البسيطة، التي قد تسعد الطفل وتساعده على أن يكون سعيدا بمشاركة والديه الاختيار، ولكن ضمن أمور محددة وليس في كل ما يهم شأنه. وترى ريم أن هذا التقييد الذي تقوم به في استشارة أطفالها من شأنه أن يجعل الطفل يعتاد على استشارة ذويه والعودة إليهم في أمور حياته على المدى البعيد، بالإضافة إلى كون الأم هي الأقرب للطفل ومطلعة على أدق تفاصيل حياته وعلى ما اعتاد عليه منذ الصغر. بيد أن كثيرا من الدراسات النفسية الخاصة بالأطفال، تبين أنه من الأجدر بالأهل أن يشركوا أطفالهم في عملية اتخاذ القرار منذ الصغر، وهو الأمر الذي سيكون حافزاً لهم لتقوية شخصيتهم وجعلهم صناع قرار في مراحل متقدمة من العمر، إضافة إلى تنمية حسن اتخاذ القرار والاعتماد على النفس ومن ثم تحمل النتائج المترتبة عليه. وأشارت نتائج إحدى الدراسات إلى أن الأهل يخطئون عندما يشعرون أن أطفالهم غير مهيئين لاتخاذ بعض القرارات في أمورهم الخاصة والتي تهمهم، كما يجهلون الفائدة التي تعود على الأطفال، حين يشاركون في اتخاذ تلك القرارات، لذلك على الأهل أن يعتادوا على منح أطفالهم فرصة في اتخاذ القرار في بعض الأمور التي يمكن فيها ذلك. لذلك، تحرص رقية عمران على أن تستشير أبناءها في بعض الأمور، قد تكون أموراً تتعلق بجميع أفراد العائلة مثل؛ الخروج في نزهة واختيار المكان الذي يفضلونه، طبق اليوم الرئيسي الذي يحبون تناوله، بعض ملابسهم التي يفضلونها في المناسبات والأعياد.. وغيرها من الأمور التي لا تُحدث خللاً في سير الحياة اليومية. بيد أن رقية تتفق مع الآخرين في عدم تدخل الأطفال أو استشارتهم في الأمور الحساسة لهم، مثل اختيار المدرسة التي يدرسون فيها، مواعيد الخروج من المنزل، بعض خيارات الأصدقاء، اختيار مشاهدة برامج التلفاز، وبعض الأمور التي يجب على الأهل أن يكون لهم دور فيها، أو بمعنى آخر لا يصلح للأطفال أن يكون لهم آراء فيها، كونهم لم يصلوا إلى مرحلة الوعي الكافية لاتخاذ القرار. وعلى الرغم من أن الأطفال قد يعترضون على آراء أهاليهم في بعض الأحيان، إلا أن رقية تعتقد أنه لا يجب على الأهل أن ينصاعوا لرغبات الأبناء حتى لو ألحوا عليها، حتى يكون هناك نظام وتفاهم بينهم. رقية التي اعتادت أن تشارك أبناءها الرأي في أشياء معينة، تؤكد أن أبناءها أصبحوا يعلمون ما يمكن أن يتدخلوا فيه من أحاديث، وما يجوز لهم أن يعبروا فيه عن رأيهم، موضحة أنها تشعر بالسعادة عندما يتفق الأهل مع الأولاد على مشروع يومي ولو كان بسيطاً، فالأطفال يشعرون بالفرح والثقة في ذلك. وفي طفولتها، اعتادت هبة على أن لا تتدخل في أمور شؤون العائلة، بحيث كانت والدتها هي من تختار لها كل شيء من ملابس وأصدقاء أحياناً، وكل ما يمكن أن تضيفه إلى غرفتها المشتركة مع أخواتها، لذلك كانت لا تخفي عن والدتها شيئا حتى تأخذ رأيها فيه، خوفاً من توبيخ والدتها فيما بعد. ومع مرور الوقت، أصبح هذا الأمر اعتياديا بالنسبة لهبة، إلا أنها ترى أن ذلك لم يكن له أي تأثير سلبي على حياتها، بل زاد تعلقها بوالدتها، ولديها مساحة كبيرة للتحدث مع والدتها التي يمكن أن تتقبل بعض الآراء وترفض الأخرى. ولكن لا تخفي هبة أنها تنازلت عن بعض ما تحب في طفولتها من أمور اعتيادية، ولكن كان لديها كل الثقة، لأن والدتها دائماً تختار لها الأفضل، حتى أنها درست الجامعة بحسب رغبة والدتها، على الرغم من انتقاد بعض من صديقاتها لها، مضيفة “هذه وجهات نظر وتختلف باختلاف علاقة الطفل مع والديه منذ الصغر”. وفي هذا الجانب، ترى الأخصائية الأسرية والتربوية، رولا خلف، أن الأهل عليهم أن يشركوا الأطفال في بعض جوانب الحياة التي يعيشونها سوياً، فهم جزء لا يتجزأ من العائلة، وجميع قرارات العائلة لها تأثيرها على الأطفال من مختلف الجوانب، وبخاصة فيما يتعلق بهم هم شخصياً، والتي غالباً ما تكون الأم هي المحرك الرئيس فيها، من منطلق معرفتها بأبنائها وخوفها على مصلحتهم. وتضيف خلف أن الأبوين يجب أن يكونا قدوة لأبنائهما في حياتهم، لأن الأفعال والكلمات والتصرفات جميعها تعكس شخصية الطفل عندما يصبح صاحب قرار لنفسه ولغيره من المحيطين، لكن ضمن حدود معينة لا تتجاوز حدود الطرفين، بدون أن يتم مصادرة رأي أي من الطرفين، وبخاصة الأطفال، حتى وإن قال الطفل رأيه ولم يؤخذ به، ولكن الاستماع له يحقق الشعور بالثقة.