المؤلف:
موقع الأوائل التعليمي

اضطررت يوما إلى ركوب حافلة المدرسة عند الانصراف، جلست قرب النافذة لأمتع ناظري بمشاهدة الشوارع والأشجار والمحلات التجارية كي أرتاح قليلا من مسؤولية ضبط الطلاب، لا سيما وفي الحافلة مرافقة مهمتها المحافظة على النظام والهدوء وسلامة وصول الطلاب إلى بيوتهم. بعد دقائق من ابتعادنا عن المدرسة بدأت الأصوات ترتفع بطريقة حضارية لدرجة شعرت أن لا بدّ وأن أدير وجهي وأترك النافذة لأطلب الهدوء.

(علي) و (عامر) يتنافسان حول من يضع كاسيت الأغاني التي يجبها، ويطلب كل منهما من السائق أن يضع له أغنيته المفضلة.

(حسن) و (حسين) يتعاركان بالأيدي للوصول إلى المقعد الذي قرب النافذة.

(محمود) بكى بصوت مرتفع لأن (محمد) سحب حقيبته عنوة ليخرج منها شيئا ما.

(عزيز) أخذ قطعة صغيرة مما كان يأكله (فراس) دون استئذان!!

(فارس) فتح النافذة هو الآخر ليرمي قشور (البزر) الذي كان يتسلى به رفم وجود سلة للمهملات داخل الحافلة!

(مصطفى) غارق في أحلام اليقظة وهو يمد بصره بعيدا من خلال نافذة الحافلة. وكلما طلبت من السابق أن يخفف قليلا من صوت الأغاني، تتعالى أصوات الطلية في أن يجعله مرتفعا جدا. والغريب أنهم يفقدون الاحترام والسلوك المهذب تجاه المعلمة في لحظة خروجها من المدرسة، وكأتها شخص غريب لا يعرفونه ولا يمت لهم بأية صلة، المرافقة غادرت مقعدها لتوقف مشاجرة بين اثنين يجلسان في المقاعد الخلفية.

التفتُ خلفي كي أحاول تهدئتهم وأطلب إليهم أن يجلس كل واحد في مكانه، وعدم رمي النفايات من الشبابيك، لفت انتباهي (أحمد) الذي كان يجلس وحده ورأسه فوق كتاب لأثر من خمسمائة صفحة، واضعا يديه على أذنيه ليخفف عنهما وطأة الضجيج داخل الحافلة... تركت مكاني وجلست قربه، سألته: -

ماذا تقرأ؟ أراه كتابا كبيرا! -إنها رواية لكاتب معروف... وهذا الكتاب لا أخرجه من الحقيبة ولا اقرأ فيه بالبيت.. إنه خاص لمطالعتي في الحافلة ذهابا وإيابا من وإلى المدرسة. -ممتاز جدا.. ولكن من أشار عليك وهداك لهذه الفكرة الرائعة. ماما أو بابا؟ -بل معلمتي في مدرستي السابقة. -وفي أي مدرسة كنت قبل مجيئك إلى مدرستنا؟ -كنت في اليابان لأكثر من ثلاث سنوات حيث كان والدي مبعوثا في زمالة دراسية.

مي شُبّر