لا يختلف اثنان على أن الاستماع من أصعب المهارات لدى متعلم اللغة الثانية ومعلمها معا، وتكمن الصعوبة للمتعلم في أنها مهارة مركبة تقتضي فهم المتكلم ومتابعته في سرعته بخلاف القراءة، فمن الممكن عند عدم الفهم قراءة النص مرة وأخرى. لكن في أكثر المواقف اللغوية شيوعًا لا يجد المستمع فرصة لأن يتخلف عن متابعة الحديث الذي يصل إلى أذنيه، فمثلًا عند الاستماع إلى المحاضرات أو الأفلام أو برامج التليفزيون أو الراديو نجد أن السامع ليس لديه سوى فرصة واحدة ليسمع ما يقال، ولا يملك وسيلة لأن يتحكم في سرعة ما يقال. كما لا نحتاج إلى دليل على أن الاستماع هو المدخل الطبيعي لتعلم اللغة والطريق الصحيح لاكتسابها فهما ومن ثَمَّ إنتاجًا، وإذا كان ابن خلدون عدَّه أبو الملكات اللسانية فإنه يمثل أمّ المهارات اللغوية. كما أكدّ جَمع من الباحثين أنَّ السبب الرئيس في الاختلاف بين متعلمي اللغة الأكثر نجاحًا ومن هم دونهم هو قدرتهم على استخدام الاستماع كوسيلة لاكتساب اللغة. كما أثبتت دراسة أخرى أن الإنسان يصرف من 50% إلى 80% من ساعات يقظته في الاتصال، حيث يمضي 45% منه في الاستماع و30% منه في الكلام و16% منه في القراءة و9% منه في الكتابة. ويكفي في أهمية مهارة الاستماع أنك لا تجدُ أصمَّ إلا أبكمَ، وقيل في ذلك لأنه لم يسمع أصواتٍ ليحاكي على غرارها. أما صعوبتها للمعلم، فلأنها مهارة لم تأخذ حظها من كتب تعليم العربية. ففي كل 10 كتب لتعليم العربية للناطقين بغيرها تجد كتابا واحدا ذكر الاستماع على استحياء، وبهذا يحتاج المعلم لجهد في البحث والتفتيش ليجد استماعا مناسبا للمستوى الذي يدرسه. وربما رفع بعضهم عناء البحث وأهمل تلك المهارة البتة أو قدمها على أنها نشاط سماعي لا مدخلا لاكتساب وتعلم اللغة.
وسأحاول أن ألقي الضوء على كيفية إعداد درس تعليمي لمهارة الاستماع مرفوقا بالنشاطات التي يشتمل عليها:
أولا- اختيار النّص
ويشترط فيه: أ- أن يكون مناسبا للمستوى، وهو هنا المستوى المبتدئ. ب- أن يكون قصيرا، لا يزيد على دقيقة ونصف. ج- أن تكون لغته بسيطة وسهلة.ش د- أن تكون سرعة قراءة النَّص مناسبة للمستوى من حيث البطء ووضوح مخارج الحروف.
ثانيا – الأنشطة التي ستقدم في تلك المهارة
1- مرحلة ما قبل الاستماع
وهو نشاط موجه يقصد به تهيئة المتعلم لنص الاستماع، وتكون له علاقة بالاستماع. حيث يتم التركيز في تقديم مهارة الاستماع للمستوى المبتدئ على تعلم اللغة وإعطائه مدخلات اللغة من خلال النص، لأنه نادرا ما يتعرض المرء في حياته اليومية للاستماع إلى موضوعات دون فكرة مسبقة عنها. فعندما يذهب للاستعلام عن وظيفة أو حجز تذكرة سفر مثلا يعرف الإطار العام الذي سيدور حوله الحديث.
2- مرحلة الاستماع
وتشمل هذه المرحلة النشاطات التي يقوم بها الطالب أثناء استماعه لتوجيهها لفهم المعلومات الأساسية، كموضع النص والفكرة الرئيسة ومكان الحدث والشخصية التي في الحدث، وتكون غالبا ذات طابع موضوعي بحيث لا يتخلف عن النص المسموع بكتابة شيء مقالي.
3- مرحلة ما بعد الاستماع
في هذه المرحلة يتخذ المعلم اتجاهين. الاتجاه الأول: أنشطة لقياس فهم النَص المسموع، مثل الإجابة عن الأسئلة وذكر أشياء وردت في النّص ومناقشته حول النص وما يتعلق به. الاتجاه الثاني: الانتقال إلى المهمة التعليمية والإنتاج اللغوي، من حيث تلخيص النّص شفويا أو تحريريا أو تبادل الأدوار بين الطلاب حول موضوع النَّص وحديث كل طالب عن يوم دراسته وعطلته و… كما ورد بالنَّص. وهو بهذا ينتقل من مهارة الإدخال وهي الاستماع إلى مهارة الإنتاج اللغوي وهي المحادثة.
4- معالجة الأصوات الواردة بالنَّص
وهذا التدريب يساعد المتعلم على إدراك الفروق بين الأصوات المتشابهة، حيث تُقدم له مجموعة من الأصوات التي تتشابه في المخرج (يطلق عليها الثنائيات اللغوية).
وَهُنَا نُنَبِّهُ عَلَى أُمُورٍ يَقَعُ الْخَطَأَ فِيهَا عِنْدَ تَقْدِيِم هَذَا النَّوعِ مِنَ التَدْرِيبَاتِ أ-يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَصْوَاتُ مِمَّا تَعَرَّضَ لَهَا الدَّارِسُ فِي النَّصُّ أَوْ مَرَّ عَلَيْهِ ب- نَخْتَارُ الْكَلِمَاتِ الَّتِي لَهَا مَعَانٍ مَحْسُوسَة غَالِبًا مثل ( قلب ـ كلب) (ساكَ ـ ساق ) ( قبّل ـ كبَّل) ج-يَتِمُّ اخْتِيَارُ كَلِمَاتٍ ذَاتِ دَلَالَةٍ وَمَعْنًى شائعٍ وَلَيْسَتْ مُهْمَلَةً لغةً. فلا نأتي بـ ( زيف ـ ذيف ـ ظيف) د- أَنْ تَتَّفِقَ الْكَلِمَتَانِ فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ وَالْحَرَكَاتِ عِنْدَ تَقْدِيمِ الثُّنَائِيَّاتِ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْأَصْوَاتِ الْقَصِيرَةِ وَالطَّوِيلَةِ ( صورة ـ سورة )، (الفك ـ الفخ)،( مصّ ـ مسّ ) ، (صيف ـ سيف ) ، ( تألم ـ تعلم ) ، (تين ـ طين) وليس الأمر مقصورا على الثنائيات فقط، بل هناك التفريق بين “ال” الشمسة و “ال” القمرية والتشديد والحركات القصيرة والطويلة. و من الممكن زيادة عدد مرات الاستماع، وفي كل مرة يستمع إليها يطلب منه نشاط، لأنه كما قلنا إن الهدف حيئنذ هو تنمية مهارة وجعلها مدخلا لاكتساب اللغة، بخلاف تقديم الاستماع لقياس مهارة، فإننا نكتفي بمرة واحدة لقياس مستواه في مهارة الاستماع.
ثالثا- نموذج الاستماع
1- ما قبل الاستماع
يَقُومُ فِيهِ الْمُعَلِّمُ بِعَرْضِ بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى الطَّالِبِ وَيَسْأَلُهُ عَنْ مَعْنَاهَا مِثْلَ صُورَةِ ( طَالب ـ جَامِعَة ـ مُصْحَف ـ قَرْيَة ـ حَافِلَة)
نصُّ الاستماع (يجب أن يكون مسجلا بالطبع)
(مَحْمُودٌ طَالبٌ فِي الْجَامِعَةِ يَدْرُسُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ فِي الْجَامِعَةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فِي الْأُسْبُوعِ، هُوَ يُحِبُّ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ لِأَنَّهَا لُغَةُ الْقُرْآنِ وَيَقُولُ أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مُعَلِّمًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فِي يَوْمِ الْعُطْلَةِ رَكِبَ مَحْمُودٌ الْحَافِلَةَ وَذَهَبَ إِلَى الْقَرْيَةِ وَزَارَ أَقَارِبَهُ وفِي المَسَاءِ رَجَعَ إلَى بَيْتِه).
2- في أثناء الاستماع
أ- مَحْمُود …… (معلَمٌ ـ طَالِبٌ ـ طَبيبٌ). ب- يَدْرُسُ مَحْمُود …….أَيْامٍ فِي الأُسْبُوعِ ( ثَلاثَة ـ خَمْسَة ـ سِتَّة). ج- يُرِيدُ مَحْمُود أَنْ يَكُونَ …….فِي المُسْتَقْبَلِ ( مُعَلَمًا ـ مُهَنْدِسًا ـ طَبِيبًا ). د- يَدْرُسُ مَحمودٌ اللُّغَةَ ………( اَلْعَرَبِيَّةَ ـ الْفَرَنْسِيَّةَ ـ الْإِنْجِلِيزِيَّةَ ). هـ- يَرْكَبُ يومَ العُطْلَة ………. ( القِطارَ ـــ الحَافِلة ـ السَّفِيْنَة). بَعدَ الاسْتِمَاع الأول (1) أ- مَحْمُود يَدْرُسُ فِي ( المَدْرَسَةِ ـ المَعْهَدِ ـ الجَامِعَةِ ) ب- يُحِبُّ مَحْمُودٌ هَذِه اللغَةَ لِأنَّهَا (لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ ـ لُغَةُ الْقُرْآنِ ـ لُغَةُ الْعَمَلِ) ج- يَذْهَبُ مَحْمُودُ يَوْمَ الْعُطْلَةِ إِلَى ( الْحَدِيقَةِ ـ السَّوْقِ ـ الْقَرْيَةِ ) د- زَارَ مَحْمُودٌ في القَرْيَةِ …..( أَصْدِقَاءَهُ ـ أَقَارِبَهِ ـ أَوْلَادَهُ) بَعدَ الاسْتِمَاع الثاني (2) ـ محادثات ثُنائية: عن موضوع النص ( أين تدرس؟ متى عطلتك؟ ماذا تفعل يوم العطلة؟ هل تحب دراستك؟ لماذا تدرسها؟…) ـ محادثة فردية: وفيها يقوم كل طالب بذكر محتوى النص بالنسبة له ولدراسته ـ ولا يلتزم الحرفية والنمذجةـ فالتركيز هنا يكون على الطلاقة اللغوية وذكر ما فهم من النص وما تم التوسع فيه خلال المناقشة. معالجة الأصوات هناك أكثر من تدريب مثل استمع وكرر، استمع وضع دائرة حول الكلمة التي تسمعها. وفيه التمييز بين ثنائيين لغويين مثل ( زَارَ ـ سَارَ)، (حَبَّ ـ هَبَّ)،( رَاكِب ـ رَاقِب) (رَجَعَ ـ رَجَا) (خَمْسَة ـ هَمْسَة). أو التمييز بين حركة قصيرة وطويلة (حَفْلَة ـ حَافِلَة ) ( ذَهَبَ ـ ذَهَبْ). أو التمييز بين ضميرين (أقَارِبَهُ/أقَاربَهَا). أو التمييز بين اللام الشمسية والقمرية ( المَساء /السَّماء). وحبّذا بعد ترديد الأصوات وضعها في جمل بسيطة والتفرق بين الصوتين معنى مثل: (ذَهَبَ محمود إلى البيت / هذا ذَهَبُ عائشة ) ( زار المرض الطبيب / سار الطالب إلى الدرس) ( كنت في حفلة / ركبتُ حافِلة ). ملاحظة: ليس هناك حدّ لعدد مرات الاستماع، ولكن ينبغي أن يكون هناك نشاط في كل مرة أو استهداف عنصر تعليمي في كل مرة. وينبغي للمعلم أن يجيبَ عن هذه الأسئلة بحيث يصل إلى نجاح العملية التعليمية في تقديم تلك المهارة وهي: 1ـ هل كمية العمل المتعلق باللغة في النص المسموع والتي يريد المعلم والمتعلم القيام به يتناسب مع الوقت المتاح وعدد الطلاب؟ 2ـ هل هناك وقت لمرحلة ما بعد الاستماع والانتقال من مهارة الاستماع لمهارة المحادثة؟ 3ـ هل سيتم تنفيذ النشاطات بشكل ثنائي أو فردي أو مجموعات؟ 4ـ هل المهام الصَّفيّة كافية أم يحتاج لمهام أخرى خارج البيئة الصَّفيّة؟