الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل، إن لم يكن أكثر، والحديث عن التحديات بصراحة ومن قِبل أصحاب الشأن مسألة حتما تمهّد الطريق للوصول إلى أبواب المثالية لنصلها بالكامل تدريجيا بخطوات عملية، فالتشخيص السليم يقود حتما للعلاج السليم الذي يلغي أي خلل أو تشوهات، في حال كانت هناك جديّة بالإصلاح والتطوّر والتنمية والأهم علاج المشاكل والتحديات.
وما من شك أن أكثر الحلول نجاعة ودقة، تلك التي تصدر من أصحاب الشأن وممن يعيشون تفاصيل التحديات عن قرب، عندها فقط تكون الخطوة القادمة مضمونة النتائج ومحسومة الإيجابية، وتعطي ضمانات بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح دون أي مواراة أو تغليف للمشاكل أو زخرفة لأي تشوهات، وتأتي الحلول بخطوات عملية قابلة للتنفيذ، تسرّع من العلاج وتوقف استمرار السلبيات.
هكذا بدا الوضع خلال الجلسة النقاشية الشبابية التي شاركت بها جلالة الملكة رانيا العبد الله الأسبوع الماضي، بتنظيم من اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية و»متطوعو الأردن»، والتي خصصت لبحث تحديات التعليم في الأردن وانعكاساتها على سوق العمل والبطالة والمنظومة القيمية في المجتمع، وأخذت طابع جلسة عصف ذهني بين جلالتها ومجموعة من الشباب من طلبة مدارس جامعات وطلبة لم ينجحوا في التوجيهي، ليسير النقاش نحو أعلى درجات الشفافية والوضوح، وتبادل الآراء الذي وصلت به حالة تشخيص الواقع التعليمي لدرجة زاحمت بها بجدارة أضخم الجلسات النقاشية لخبراء التعليم!!!
وانضمت جلالة الملكة رانيا العبدالله إلى الجلسة النقاشية، ليكون لحضور جلالتها مصدر ثقة للشباب فأخذوا بالحديث عن تجاربهم في التعليم، ومخرجاته وامتحان الثانوية العامة، وغياب قضايا التعليم عن برامج المرشحين للانتخابات النيابية 2016 وغيرها من عشرات القضايا التعليمية، التي شاركت جلالتها الشباب بها، واستمعت الى نقاشاتهم ورؤيتهم وتشخيصهم للواقع وتطلعاتهم المستقبلية، مشيرة الى ضرورة تعميم فكرة المناقشات والحديث بصراحة والإعتراف بالتحديات التي تواجه التعليم بما يعزز المشاركة المجتمعية الفاعلة في جميع انحاء المملكة.
وما من شك أن الاعتراف بالتحديات يدفع باتجاه السعي الجاد لإيجاد حلول جذرية لمشاكل التعليم، فقد أشّرت جلالة الملكة على ضرورة اطلاق «ثورة» في التعليم لغايات تجاوز اشكالياته التي باتت تكرر ذاتها، وتراوح مكانها إن لم تكن للأسف تتضخم مع مرور الوقت، وهذا لن يكون مع سياسات لم تحرّك ساكن السلبيات كما لم تقدّم حلولا عملية لعشرات المشاكل والتحديات.
وبطبيعة الحال الوصول لصورة مثالية للتعليم وتطويره بالصيغة التي يرنو لها الجميع، تتطلب شراكة وجعله أولوية وطنية، فقد بقي التعليم دوما ضمن الأولويات المتأخرة على الأجندة المحلية رسميا وشعبيا ونيابيا، وقد أكدت جلالة الملكة بهذا السياق «على ضرورة جعل التعليم أولوية وطنية ومطلبية شعبية مستمرة باعتباره الاساس الذي يبنى عليه تعزيز الامن والاقتصاد والهوية الوطنية، مشيرة إلى ان المجتمع شريك أساسي في صنع التغيير والتطوير المطلوب، معتبرة ان الوقت الحالي مناسب للحديث عن ضرورة تطوير منظومة التعليم، خصوصا مع بداية العام الدراسي، وفترة الإنتخابات النيابية».
ورغم الدوران في فلك التعليم التقني كأحد الحلول لتشوهات واقع التعليم ومخرجاتها سواء كان فيما يخص التخصصات المشبعة، أو ارتفاع نسبة عدم الناجحين في الثانوية العامة أو مستقبل كليات المجتمع، لكن تبقى الجاهزية لهذا النوع من التعليم متواضعة جدا، فضلا عن الحاجة لتغيير ثقافة المجتمع حياله والذي لا تقبل به غالبية الأسر الأردنية لأبنائها، الأمر الذي ما يزال يتطلب بحثا اضافيا بهذا المجال.
وفي هذا السياق لفتت جلالة الملكة الى أهمية تعزيز التعليم التقني والمهني، الذي يعتبر من مكونات عملية التنمية والتطوير، مشيرة بهذا الصدد الى فكرة الأكاديمية الملكية لفنون الطهي التي انشئت بتوجيهات ملكية ولاقت عند انطلاقتها استهجانا لجهة من سيلتحق بها وماذا ستخرج، لتصبح الآن ذات اقبال من الشباب، في ظل ما وفرته لخريجيها من فرص عمل جيدة».
واتفقت جلالة الملكة مع الآراء التي تحدثت عن تطوير أداء المعلمين، مشيرة الى إنشاء أكاديمية متخصصة لتدريب المعلمين قبل التحاقهم بالخدمة، لتزويدهم بالمهارات التي تتطلبها مهنة التعليم، بما ينعكس ايجابا على الطلبة واسلوب تفكيرهم.
ورغم آلاف الأبحاث التي قدمت على مدار أعوام لتطوير التعليم إلاّ أن التحديات هي ذاتها وفق الشباب الذين تحدثوا أمام جلالة الملكة بكل شفافية، مقدمين شرحا تشخيصيا حول المناهج وضرورة جعلها تواكب مستجدات العصر وضرورة اختيار أفضل المتقدمين للعمل في مجال التعليم وتأهيلهم قبل الخدمة، فيما ابدى الشباب امتعاضهم من امتحان الثانوية العامة وقال عدد منهم أنه لا يصح أن يتم اختزال حصيلة 12 عاما من الدراسة في اختبار ضعيف البنية قوي في التشديد استطاع ان يقيس معدلات الغش ولم يكن دقيقا في قياس قدرات الطلبة،كما اكدوا على ان التعليم المهني أصبح يمثل الحلقة الأضعف في التعليم العام، لا يستقطب سوى طلاب بأقل المعدلات، كما تناولوا التعليم الجامعي.
«تقي الدين» الشاب الذي رسب في التوجيهي ثلاث مرات، لخّص في حديثه أمام جلالة الملكة حالة شبابية كاملة، عندما تحدث عن تجربته بأنه قدّم إمتحان التوجيهي ثلاث مرات ولم ينجح، وهو اليوم لا يريد أن يتقدم له من جديد، لكنه بالمقابل لا يجد أي بديل لاثبات وجوده فلا يوجد تعليم مهني مناسب بأجواء ايجابية كونه سمع من أصدقائه أن ظروف هذا النوع من التعليم إن وجد سلبية جدا، كما لا يوجد من يقبل بتوظيفه كونه لا يحمل شهادة، بالتالي حُكم عليه البقاء مجهول المستقبل لا يعرف ماذا يفعل، رغم أنه يحبذ دراسة أي تخصص فني مهني له علاقة بالعمل الإذاعي والتلفزيوني وعمل مراسلا ميدانيا لإحدى الإذاعات، لكن في كل مرة يفكّر في تطبيق ما يحلم به يعيده للمربع الأول بالتحديات والإشكاليات ذاتها فالأبواب مغلقة ولو استمر الوضع بهذا النهج ستكون نتائج سلبية جدا على جيل بأكمله، لأن الضغوط أكثر من الحلول!!!!
فكرة الجلسة ذكّية من المنظّمين كونها قدمت شرحا تفصيليا واقعيا للتعليم بسلبياته وايجابياته من الشباب أصحاب الشأن بهذا الواقع، قابل ذلك سؤال جلالة الملكة في نهاية الجلسة «ماذا بعد؟»، عن الخطوة التي ستلي هذا اللقاء، وكيف سيتم تطبيق ما طرحه الشباب، بمعنى حرص جلالتها على متابعة الخطوة المقبلة وعدم ترك ملف تطوير التعليم على مفترق طريق بين الإنجاز من عدمه!! (الدستور)
أوائل-توجيهي أردني