الآن، وبعدما أعلنت نتائج الثانوية العامة (التوجيهي) لا يتبقى أمام الناجحين من الطلبة وأسرهم سوى البحث عن تخصص جامعي مناسب. وفي مثل هذه المناسبات تكثر النصائح بخصوص التخصصات، وخصوصا من جهات مختصة كالنقابات المهنية وغيرها. ولكن، هناك من لا يلتفت اليها (النصائح) أبدا، ولا يهتم سوى لما أضمر لنفسه أو لابنه من تخصصات. وطبعا، فإن التخصصات المفضلة لغالبية الطلبة الأردنيين وأسرهم هي الطب البشري، وطب الأسنان، والصيدلة والهندسة بأنواعها المختلفة. ولذلك، نجد أن هناك تزاحما شديدا على مثل هذه التخصصات المفضلة، في حين تشهد تخصصات أخرى ركودا، ويضطر طلبة وأسرهم للجوء إليها لانخفاض المعدل، أو لعدم توفر الإمكانية المالية لدراسة الطب أو الهندسة أو الصيدلة بالجامعات الخاصة أو بالبرنامجين الموازي أو الدولي أو بالخارج. ولكن، لماذا لا نسمع النصائح، وهي بالمناسبة مجدية وتظهر فائدتها في المستقبل، بعد التخرج، إذ إن آلاف الشباب الخريجين يعانون عندما يواجهون سوق العمل. فالمهن الهندسية والطبية والصيدلة وغيرها من المهن "البراقة" إن جاز التعبير، ليست بنفس الحالة كما في السابق، فقد أصبحت مشبعة بطريقة واضحة لا تقبل الجدل، وأصبح الكثير من العاملين فيها يعانون من قلة فرص العمل، ومن انخفاض الدخل بالرغم من الأموال الهائلة التي دفعت من أجل الحصول على شهاداتهم. فالتعليم الجامعي مكلف جدا وخصوصا في تخصصات الطب والهندسة والصيدلة. إن الواقع الحالي لسوق العمل المحلية والخارجية يستدعي من الطلبة وأسرهم التدقيق جيدا في خياراتهم الجامعية. ليس المهم "البرستيج"، وإنما الأهم الفائدة الشخصية والمجتمعية. إن تكاليف التعليم الجامعي تثقل كاهل العديد من الأسر، ولكنهم برغم كل الظروف الصعبة، يعلّمون أبناءهم، ويختارون لهم الأفضل حتى ولو دفعوا الكثير من الأموال، وفي بعض الأحيان أكثر بكثير مما يملكون. لذلك، فإن اختيار التخصص المناسب وفق احتياجات سوق العمل ضروري ومهم في آن واحد، ولا يعتبر ترفا، وإنما الزام، فالاختيار المناسب، أصبح أمرا ملحا في ظل التطورات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والمعيشية. إن اختيار التخصص المناسب يساوي من حيث الأهمية الحصول على علامة ممتازة في "التوجيهي"، إذا لم يكن أهم. فمستقبل الطالب يعتمد بشكل كبير جدا على هذا الاختيار. وطبعا، وبمناسبة إعلان نتائج "التوجيهي" ألم يحن الوقت لإعادة النظر بالتعليم الأكاديمي؟ ألم يحن الوقت للتركيز على التعليم المهني الذي أعتقد أننا بأمس الحاجة إليه هذه الأيام؟