تشهد الفترة الحالية ثورات عديدة في مجال التعليم والمعرفة والتكنولوجيا والمعلومات والاتصالات، مما يلقي على عاتق العملية التربوية مهاماً جديدة وتحديات أكثر، ولعل أهمها مَهمة إعداد جيل قادر على التعامل مع كل مستجدات العصر الراهن من تكنولوجيا الاتصالات، ووسائط الإنفوميديا المتعددة التفاعلية، والوسائل الفائقة، والدروس والتعليم عبر الوسائل الإلكترونية من خلال بيئات التعلم الإلكتروني بواسطة الوسائل الافتراضية، وكذلك أيضاً القدرة على توظيف الجوال أو الهاتف الخلوي في عملية التعلم، نظراً لكونه أصبح الآن الجهاز الأكثر استخداماً في أوساط المتعلمين في مختلف أنحاء العالم.
فلم تعُد الفلسفة التي تقوم عليها التربية والمناهج وطرق التدريس تقليدية، فالطرق القديمة أصبحت لا تلبي متطلبات هذا العصر المفتوح والسريع في تقلباته وتغيراته، مما أدى إلى تغير دور المعلم ودور المتعلم بل ودور الأنظمة الإدارية في العملية التعليمية بالكامل، وتمت رقمنة العملية التعليمية بشكل شبه كامل، فأدت الثورة اللاسلكية إلى ظهور نموذج جديد هو التعلم الجوال أو التعلم المتنقل وبالتالي ظهور التعلم المنتشر.
وسنلقي الضوء في هذا المقال على نموذج التعلم المنتشر وذلك نظراً لمعرفة الكثير بطبيعة التعلم النقال، فرغم أن مصطلح التعلم المنتشر التكيفي مستجد نوعاً ما على البيئة العربية، إلا أن جذور التعلم المنتشر ترجع إلى أواخر عام 1980 عندما استخدم مارك ويزر Mark Weiser الباحث في زيروكس Xerox مصطلح الحوسبة المنتشرة Ubiquitous Computing، وذلك للإشارة إلى وجود أجهزة الكمبيوتر في كل مجالات الحياة، فهي حولنا في كل مكان، وأينما ذهبنا، ونحن منغمسون في بيئة كمبيوترية محوسبة.
فلم يعُد يقتصر الأمر على أجهزة الحاسب المعتادة، بل أصبح كثير من الأجهزة والمعدات تعمل بالمعالجات الدقيقة، ولعل أهمها الأجهزة التي تستخدم في التعليم بداية من جهاز الحاسب، و انتهاء بالهاتف المحمول، وهذا بدوره أدى إلى ظهور مفهوم التعلم المنتشر.
التعلم المنتشر
يُعد التعلم المنتشر امتداداً تكنولوجياً للتعلم المتنقل، فهو نموذج للتعلم يتم في بيئة محوسبة تقوم على تعلم الشيء الصحيح فى الوقت والمكان المناسبين، وبالطريقة المناسبة، فيتميز التعلم المنتشر عن التعلم المتنقل بقدرته على الذهاب إلى مسافات أبعد من خلال تركيزه على عملية تقديم التعلم بالوقت والمكان والطريقة الصحيحة إضافة إلى المصادر التعليمية الملائمة للمتعلم.
التعلم المنتشر التكيفي
ويمكن أن نُعرف التعلم المنتشر التكيفي بأنه: عملية تعلم وظيفية تكيفية تقوم على توصيل كائنات التعلم الرقمية إلى المتعلمين المتواجدين في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة ومتباعدة، وتقديم مصادر التعلم لهم بالطريقة التي تلائم أنماطهم وأساليبهم في التعلم، من حيث التركيب الداخلي للمتعلم، والوقت والمكان، وعملية إدارة التعلم والأنشطة التعليمية بالطريقة الملائمة، وذلك لتكوين بنية معرفية جديدة تقوم على تلبية احتياجات المتعلمين في كل وقت وكل مكان، وكل وضعية تعليمية. (تامر الملاح، 2017).
فيُعد التعلم المنتشر توسعاً وامتداداً في فكرة الحاسبات المنتشرة، وهذا المصطلح يصف الوجود النافذ لأجهزة الحاسب في تعلمنا. فبعد تطبيق مبادئ التعلم التكيفي على التعلم المتنقل، ظهر لدينا التعلم المنتشر التكيفي بميزات أكبر ومقومات أعلى، جعلت كل طالب يتعلم في الوقت والمكان المناسبين وبالطريقة التي تلائم نمطه في عملية التعلم.
مرتكزات التعلم المنتشر التكيفي
يركز التعلم المنتشر التكيفي في عملية توصيل المحتوى على أمور ثلاثة، هي على النحو التالي:
– المتعلمون في عملية التعلم.
– محتويات عملية التعلم.
– خدمات عملية التعليم.
فالتعلم المنتشر التكيفي قد يتم تطبيقه بشكل متزامن يحصل فيه المتعلم على محتويات التعلم وخدماته في نفس الوقت، أو بشكل غير متزامن وهو الشكل الأكثر تكيفية في عملية التعلم نظراً لإتاحة الفرصة أكثر للمتعلم باختيار الوقت والمكان المناسب أيضاً.
مميزات التعلم المنتشر التكيفي
يتميز هذا النوع من التعلم بأنه:
– يمكن الطلاب من التعلم في أي وقت وفي أي مكان.
– يقوم على إتاحة فرص التكيف بشكل واسع للمتعلم.
– يوفر بيئة تفاعلية للطالب بحيث يستطيع أن يقوم بالمناقشة والأنشطة والمشاركة الفعالة.
– يحقق التكيف في عملية التعلم من جوانب متعددة: البيئة والمحتوى وطريقة عرضه، ووقت التعلم ومكان التعلم، والظروف المادية لعملية التعلم نفسها.
– يوفر بيئة تعلم تتوفر على تقنيات منتشرة بالفعل فى العصر الحالي وهي الأجهزة اللوحية والمتنقلة.
– يستخدم تقنيات الأجهزة النقالة واللوحية وهي الأكثر انتشاراً بين مختلف المراحل والفئات العمرية.
مكونات بيئة التعلم المنتشر التكيفي
تتكون من الآتي:
– الأجهزة الإلكترونية المختلفة: سواء أجهزة الكمبيوتر النقالة أو الأجهزة اللوحية.
– شبكات لاسلكية قوية.
– وحدة الخادم لتلك البيئة وقاعدة بيانات ضخمة، تحتوي على كائنات التعلم والجانب الإداري العملية التعليمية.
– المحسات الإلكترونية: والتي تقوم بتحديد أنماط تعلم المتعلمين لعرض المحتوى بالطريقة الملائمة للمتعلم.
– خدمات التعليم: والتي تتعلق بكافة الشؤون الخاصة بإدارة عملية التعلم المنتشر التكيفي.
ولمزيد من المعلومات حول التعلم المنتشر التكيفي يمكن الاطلاع والحصول على كتاب “التعلم التكيفي” الصادر عن دار السحاب للنشر والتوزيع… بالقاهرة، للمؤلف/ تامر الملاح.