جولة سريعة من الحوار مع مجموعة من طلاب الجامعات الأردنية تكفي لتوضيح كبر التحديات والمشكلات التي تواجههم الآن، او التي ينتظرونها بعد تخرجهم. فطلاب الجامعات الأردنية يمثلون صورة مصغرة لواقع المجتمع بكل تعقيداته، وما يواجههم من مشكلات هو انعكاس لأزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية تلاحق المجتمع الأردني حاليا، ويبحث عن سبل الخروج منها.
“تبدأ مشكلات كثير من الطلبة قبل ان يلتحقوا بالجامعة”، هذا ما يبدأ به محمد العظمات، وهو طالب يدرس الترجمة بجامعة اليرموك، حديثه، ويضيف: اول ما يواجه الطالب هو مشكلة توزيع المنح الدراسية على ابناء فئات معينة، مثل ابناء العشائر وابناء ضباط الجيش، الأمر الذي يشكل ظلما لمن لا ينتمي الى هذه الفئات. وبعد ان يقارب الطالب على الانتهاء من الدراسة يكتشف مشكلة اخرى، وهي ان المناهج الدراسية بها الكثير من الحشو، وان الكثير مما يدرسه لا علاقة له بواقع سوق العمل، وبالتالي يتخرج الطالب من الجامعة ولديه الكثير من القلق حول قدرته على المنافسة والنجاح في سوق العمل.
وتمضي علياء تميم، التي تدرس الاذاعة والتلفزيون بجامعة اليرموك، في الحديث عما تراه تمييزا في الجامعات الأردنية بصورة اخرى، وهو منح فرصة الدراسة في الجامعات الحكومية للطلاب الحاصلين على درجات اقل مقابل رفع رسوم جامعية اعلى، وهو ما يطلق عليه في الأردن “التعليم الموازي”، وهي ترفضه تماما على اساس انه لا يحقق العدالة الاجتماعية، ويقدم فرصا افضل للطلاب الذين تمتلك اسرهم المال الكافي لتعويض ضعف درجاتهم. وترى ان عائدات هذا النظام لم تستخدم في تطوير الجامعات كما كان يقال من جانب المسؤولين لاقناع الطلبة به، وان كثيرا من مباني الجامعات تضيق بطلابها، ولم يحدث بها تطوير او تحسين منذ سنوات طويلة، وفي النهاية يتساوى الطالب المتفوق مع الاقل منه دراسيا اذا كان الاخير قادر ماديا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العمل السياسي في الجامعة
واذا كان الجدل لا يتوقف حول سبل تمويل الدراسة الجامعية وطرق توزيع المنح الدراسية، فان هذا الجدل يزداد سخونة عند الحديث عن العمل السياسي في الجامعات، اذا ان الهدف منه بالنسبة الى فراس القصص، احد مؤسسي التجمع الاصلاحي في الجامعة الأردنية، هو الاصلاح بكل معانيه، والوصول الى دولة مؤسسات خالية من الفساد تقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية، وهو هدف يتفق عليه الكثير من الناشطين من الشباب في الجامعة وخارجها، كما يقول فراس، على الرغم من اختلاف اتجاهاتهم السياسية، ما بين ليبراليين ويساريين واسلاميين. ولا يخشى فراس من النظر من جانب البعض الى هذا التجمع باعتباره حركة معارضة للنظام لأن هدفه تغيير المجتمع نحو الأفضل كما يقول.
لكن على النقيض من فراس لا يرحب البعض بالانخراط في العمل السياسي مثل روان الملاح، التي تدرس علوم اجتماعية بالجامعة الأردنية، وتقول ان كثيرا من الاهالي يرفضون انخراط ابنائهم في العمل السياسي على اساس انه “وجع رأس”، والافضل تجنبه. وتقول ان الفتيات اكثر حذرا من العمل السياسي بسبب مشكلاته التي قد تمتد الى الدراسة نفسها، اذ ربما يعاقب الاستاذ طالبه بسبب اختلافهما في الاتجاهات السياسية.
“المشكلة ان طلبة الجامعة يستمعون الى خطاب مزدوج بشأن العمل السياسي” كما تقول هبة العبيدات، وهي صحفية متخصصة في تغطية الانشطة السياسية، وتوضح انه من جانب يشجعهم الخطاب الرسمي على ممارسة العمل السياسي، لكن من جانب آخر قد يتعرض الطالب لملاحقة الاجهزة الامنية اذا كان نشاطه السياسي غير مقبول من وجهة نظر هذه الاجهزة، وقد تستمر هذه الملاحقة الى ما بعد التخرج. والنتيجة هي ضعف الثقافة السياسية من الشباب. وكانت هناك محاولة لتشجيع الشباب على الترشح لمقاعد البرلمان بتخفيض سن الترشح الى اقل من 30 سنة، لكن اغلب اعضاء البرلمان رفضوا هذا الاقتراح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احلام الهجرة
علا ابو سليم طالبة بكلية الهندسة بالجامعة الاردنية، وهي ترغب في الهجرة الى الولايات المتحدة الامريكية عقب تخرجها لأن المجتمع هناك، في رأيها، يتقبل المهاجرين على اختلاف ثقافاتهم، ولا يفرض عليهم عادات وتقاليد معينة كما هو الحال بالنسبة للعشائر في الأردن. ولا توجد هناك معايير مزدوجة في التعامل مع الشاب والفتاة، اذ انه غير مسموح للفتيات في المجتمع الأردني بكثير من الامور التي يسمح بها للذكور. هذا بالاضافة الى الوضع المالي الصعب للشباب في الأردن، فطلبة الجامعة يدفعون الكثير مقابل الدراسة، ثم يحصلون على رواتب ضعيفة في سوق العمل.
“تطلع الكثير من الشباب الى الهجرة له اسباب اقتصادية واضحة” كما يقول محمد العرسان رئيس تحرير راديو البلد في عمان، اذ ان نسبة البطالة تبلغ في 14% في الاردن، حسب الاحصاءات الرسمية، بينما توضح بعض الدراسات انها اعلى من ذلك، وهذا دفع الكثير من الشباب الى الهجرة الى دول الخليج او الى اوروبا والولايات المتحدة بحثا عن فرصة عمل. اما بالنسبة لمن يتمكنون من الحصول على عمل في الأردن فيعانون من مشكلة تدني الاجور في بعض القطاعات، وعلى سبيل المثال تم منح المستثمرين مزايا في قطاعات معينة لتشجيعهم على الاستثمار، ومن هذه المزايا عدم وجود حد ادنى للأجور، ويتوقف الأجر على تقدير صاحب العمل، هذا في الوقت الذي ترتفع فيه اسعار السلع الاساسية، مثل المحروقات، بشكل لا يناسب دخول اغلبية الناس في الأردن. كل هذا انعكس، في رأيه، على ارتفاع حالات العنف بين الشباب بسبب الضغوط الشديدة التي يتعرضون لها.
(محمود القصاص – بي.بي.سي)