لا يولد الطفل مسلحاً بالمسؤولية، بل يتعلمها تدريجياً مع تقدم مراحل نموه، فهو بحاجة إلى أن يتعلم التعاون واحترام الآخرين والأخلاق الكريمة كما يتعلم المشي والكلام.
لذا فعملية تعلم المسؤولية تبدأ في وقت مبكر أكثر مما يظنه معظم الناس، فهي تبدأ مع مولد الطفل؛ إذ يتعلم شيئاً عن تحمل المسؤولية من خلال العناية التي يتلقاها من والديه، والعناية التي يتلقاها ممن يتصلون به، وتستمر عملية التعليم هذه حتى نهاية مرحلة المراهقة.
لذلك فالآباء والمدرسون والمدارس في كل مراحلها الدراسية لهم دورهم في مساعدة الأطفال على تنمية هذا الشعور ذي الأهمية في حياة الطفل، وفي تنمية شخصيته وفي رسم خطوط مستقبله.
وأثبتت الدراسات التي أجراها الخبراء في تربية الطفل، أن الرضيع يبدأ بتعلم المسؤولية، وذلك من خلال تفاني أهله ومن حوله من أفراد أسرته لسد حاجاته كلها، وهذا لا يتوافق مع ما هو سائد لدى الناس من خصائص الشخص المسؤول.
وهكذا نرى أن الطفل يتعلم المسؤولية وهو في البداية غير مسؤول.
والواقع أن تحمل المسؤولية ليس إلا صورة من البذل أو المشاركة، وغالبا ما يشارك الطفل من شاركه في شيء ما، فهناك احتمال كبير أن يقدم الطفل الحلوى التي معه لرفاقه، إذا كانوا قد أشركوه من قبل معهم في تناول حلوياتهم، لكن هذا الاحتمال يقل إذا كانوا لم يدأبوا على فعل ذلك، وإن الطفل يتعلم البذل والحرص على شعور غيره عن طريق حرص الآخرين على شعوره واهتمامهم بشأنه.
وتُبين الدراسات العديدة أن تنشئة الأطفال في جوّ من الحنان على أيدي آباء عطوفين لها أهميتها العظمى في مساعدة الأطفال على أن يشبوا على حب التعاون والشعور بالمسؤولية.
ومن البحث الشامل الذي قام به سوركن العالم الاجتماعي المشهور، على طلبة الجامعة وعلى الكبار وعلى أطفال الحضانة، وجد غالبية الحالات تقريباً، أن أسعد الأطفال وأقربهم إلى قلوب الناس، وأكثرهم شعوراً بالمسؤولية، هم أبناء الأسرة السعيدة التي تشيع بين أفرادها روح المحبة والتعاطف، والتي تقوم علاقاتها على أساس التفاهم والتوافق.
الحنان والمسؤولية
قد لا يبدو مقبولاً لدى البعض أن الحنان والرعاية هما السبيل لتعليم المسؤولية، وأن الوالدين يمكنهما تحقيق ذلك بمجرد تقبيل الطفل ومعانقته، وتغيير لفائفه وتوفير الغذاء والدفء له، وحمايته من الخوف والضرر والغضب، ولكن الواقع أن هذا النوع من العناية هو الأساس الذي يقوم عليه كل سلوك تتمثل فيه جوانب المسؤولية.
والمعروف أن الذين يشعرون بالمسؤولية الحقة، يكون الحب أساس علاقتهم بغيرهم، أما الذين يميلون إلى العداوة، وتنطوي نفوسهم على المرارة وعلى إيذاء غيرهم، فهؤلاء يكونون عادة مشغولين بأحاسيسهم الخاصة لدرجة انصرافهم عن تحمل المسؤولية الخاصة تجاه أنفسهم وحيال غيرهم.
التربية الهادفة تُسهل تعلم المسؤولية
لكي تكون تربيتنا لأبنائنا مؤدية إلى نتائج إيجابية وفعالة وذات أثر بيِّن على بناء شخصياتهم، لا بدّ وأن تكون تربية هادفة، فقد ثبت أنه إذا لم تكن لدينا أي أهداف محددة أو مقاييس نقيس بها ما أنجزناه، فسوف نميل إلى تقييم تلك التربية بالمشاعر الآنية، التي كثيراً ما تكون مدعاة للسخط أو تفتقر إلى الصبر، أو أنها عواطف أخرى سلبية تدفعنا للإحساس بالسلبية حول تربية أطفالنا.
فإذا اقتنعنا أمام هذه المعطيات أننا بحاجة إلى أهداف، ليس فقط من أجل ما نحققه من إنجاز وهدوء بال، بل من أجل نجاح زواجنا وأُسرتنا وأطفالنا، فلا بد من أهداف واضحة حول ما نريد أن نقدمه لأطفالنا، عندها سنكون قادرين على التأثير أكثر من التأثر، ورأينا أننا سنكون دائماً في موقع الهجوم الناجح.
وقد ثبت بمرور الزمن أن أفضل هدف للأطفال الصغار هو الفرح، وفي سنوات ما قبل المدرسة تسهل قولبة الأطفال، ويمكنهم مع الإرشاد السليم أن يوسعوا استعدادهم للسعادة بمختلف أنواعها، لأن حاصل الفرح بالنسبة للأطفال دون الخامسة أكثر أهمية من حاصل الذكاء.
ويبدو أن تأثيرنا على أطفالنا يتضاءل بعد سن الخامسة؛ حيث يبدأ تأثير عناصر المجتمع المدرسي من رفاق ومعلمين.. وعندها يبدو الواقع صارماً حيث يبدأ أطفالنا بالابتعاد عن تأثيرنا وتوجيهنا لتخضع مصائرهم أكثر فأكثر لتوجيه الآخرين، ولأي تأثير ناتج عما يحققونه في أنفسهم، وعندها ندرك تماماً أن عملنا ليس مقصوراً فقط على "تقديم السمكة لهم" بل أن نعلمهم كيف يصطادونها، وبتعبير آخر أدق: نُسلِّم بضرورة تعليمهم تحمل المسؤولية.