يواجهنا هذه الأيام التحول المتسارع نحو استخدام التكنولوجيا في حياتنا اليومية ، وربما كان السؤال الكبير الذي لا بد لنا أن نطرحه على المسئولين والمخططين وعلى أنفسنا ، هو مدى استخدامنا للتعليم الالكتروني في مؤسساتنا التعليمية ، متى نبدأ بجرأة وماذا نريد من هذه النقلة في التعليم ، ولا بد لي من التأكيد على أننا نواجه جيلا يعرف التكنولوجيا والالكترونيات قبل دخوله المدرسة ، وهذا يعني أن على المدارس أن تستثمر هذه الحقيقة التي فرضت نفسها على العالم كله ، لذا فإننا إن تعاملنا في المدارس مع هذا الجيل بعقلية ما قبل الالكترونيات ، فإننا نفشل تماما في الوصول إلى عقل ووجدان الطالب ، ومن هنا نبدأ ، لنؤكد أن إدخال التعليم الالكتروني ليس خيارا بل ضرورة ، ذلك أن المدرس الذي كان مصدر التعلم والتعليم لم يعد كذلك ، فالتعليم الالكتروني يجعله موجها ومرشدا ، ليصبح الطالب هو المبتكر والباحث ، وليس المتلقي التقليدي . ولتبدأ مرحلة انقلاب ثوري في طرق التعلم والتعليم ، فالتعليم ما قبل التكنولوجيا يخرج نسخا كربونية يقودها المعلم والذي يجعل الكتاب هو المنهاج وهذا هو الخلل المؤسف ، فكل المتعلمين ينسخون معرفة المعلم ، في حين أن التعليم الالكتروني يعطي الطالب فرصة التميز والابتكار وهو ما نتمناه في مؤسساتنا التعليمية ، سواء أكنا نتحدث عن المدارس أو الجامعات ، وما يجعلنا نطالب بالتوجه نحو التعليم الالكتروني هو روح العصر ومتطلباته ، فإذا أردنا أن نعد الجيل الجديد لمواجهة العصر والتفاعل مع الآخر ، علينا أن نوسع دائرة التعليم الالكتروني ، علينا ألا نبدأ فقط بالربط الالكتروني وبتوفير الإمكانات المادية ، لأن البداية تكون بتهيئة المعلم وتدريبه لينتقل من المعلم التقليدي إلى المعلم المبتكر والموجه ، في حين يكون الطالب هو المحور ، وهذا يتطلب توفير القوى البشرية الفنية والمدربة ، على تصميم المادة التعليمية وتطويرها ، وتدريب المعلمين ، وهنا تبدأ الحاجة إلى إدخال فئة التقنيين والمبرمجين والمختصين إلى عالم التدريس ، إلى جانب الكادر التعليمي ، بحيث نوظف عناصر التكنولوجيا ونطورها لمصلحة التعليم ، وهذا أمر متوافر لنا في المدارس والجامعات ، لأننا نملك مختبرات حاسوبية . وعلينا أن نبرمج خطواتنا بإدخال العنصر الفني – التقني إلى جانب الهيئات التدريسية ليكونوا المرحلة الأولى التي تدرب المعلمين على التعليم الالكتروني ، وتكسبهم المهارات المطلوبة ، ومما يشجعنا على هذا الطرح الآن توافر البنية التحتية في الجامعات وفي غالبية المدارس ، وهو الأساس الذي نبنى عليه حالة التعليم الالكتروني المقبلة ، ونؤكد هنا بأن التعليم الالكتروني يوفر في الجهد والوقت ، ويجعلنا نتغلب على عوائق المكان ، واستغلال الموارد البشرية في الجامعات لمصلحة التعليم في مدارسنا ، لتعويض النقص في المدارس ، وما دمنا نريد تنشئة جيل مستقبلي يتعلم القيادة والبحث العلمي ويبني الشخصية ، علينا أن نبدأ بإدخال التعليم الالكتروني بلا تردد ، ليصبح كل طالب قادر على الحوار والتبادل الجمعي ، في حين أن التعليم التقليدي يجعل المعلم مصدر المعرفة والموجه للصف الذي يتجاوز فيه عدد الطلبة الأربعين طالبا ، وهذا لا يتيح لكل طالب فرصة المشاركة والتفاعل في بيئة الصف التقليدية ، مقابل أن يتوفر لكل طالب إبداء الرأي والنقاش والاتصال بكبسة زر ، سواء عن طريق غرف الحوار أو أي شكل آخر تراه الإدارات التربوية . إن ما طرحته وزارة التربية والتعليم من التوجه نحو التعليم الالكتروني يعتبر ثورة حقيقية في مسيرتنا التربوية ، وهي خطوة تحمد للمخططين نظريا ، ويبقى أن نطبق هذا التوجه تطبيقا ذكيا بحيث لا تتحول هذه الأداة إلى العكس ، وعلينا أن نتذكر أن هذه الخطوة تتطلب الأدوات الفنية والتقنية العالية ، والمبرمجين والفنيين في حقل الحاسوب وبرمجياته ، والأهم من كل هذا تدريب المعلمين للانتقال من التعليم التقليدي إلى التعليم الالكتروني ، وإقناع المجتمع بهذا التطور وضرورته ، وهي مهمة مصاحبة للتحول التدريجي نحو التعليم الالكتروني ، ننتظر خطوات وزارة التربية والتعليم لتطبيق هذه الثورة التي تنقل التعليم نقلة حقيقية نحو العالم الجديد ، فنحن في عصر الصورة والالكترونيات ، وتوظيفهما في مجال التعليم هو الفيصل ، وهذا ليس خيار بل ضرورة لأننا نبني جيلا مستقبليا يعرف لغة العصر ، إنه التحدي الحقيقي الذي تواجهه القيادات التربوية ، والمجتمع ككل ، ولا بد وأن نقف إلى جانبه وندعمه لنطمئن إلى أننا نسير باتجاه المستقبل ولا نرجع إلى الوراء .