يقول د. عبد الكريم بكار في مقاله “ما التفكير؟”:
“إن القراءة في كل ما هبّ ودبّ ستعني معرفة خاطفة سطحية، أو ستعني شذرات من العلم تفقد الترابط، وتفتقر إلى الانتظام في مفاهيم عامة، وهذا لا يختلف كثيرًا عن الجهل! وفي مقابل هذا فإن أصحاب الاختصاصات (المغلقة) يفتقرون غالبًا إلى الرؤية المجتمعية الشاملة، مما يجعل وعيهم بذواتهم ومجتمعاتهم معدومًا أو محدودًا، ويجعلهم ألعوبة في أيدي محترفي التجارة بالعلم وثماره ، ودوائر تأثيره ممن يمكن أن نسميهم بالشخصيات العامة.
“فمن المستحب إذن أن يخصص الواحد منا 70% من قراءاته لمجال محدد يصبح إمامًا فيه، يستطيع من خلاله رفع عتبة تخصصه، وإضافة شيء إلى التراكم المعرفي، ويخصص باقي الجهد للاطلاع على العلوم المختلفة” أ. هـ.
في السطور التالية خطوات عملية للانتفاع بما تقرأ والبناء المنهجي عليها:
1- كيفية وضع خطة قراءات منهجية
- تصنيف المراتب بالأولوية، مثلًا:
- علوم الدين الواجبة.
- ثم علوم التخصص.
- ثم علوم التوسع.
وكل منها مقسّم لمراحل كما يلي:
- اختيـار المواد لكل مرتبة وكل مرحلة، سواء مواد مسموعة أم مرئية أم مقروءة، أم عن طريق التلقي عن معلم أو ذاتيًا … إلخ.
- تحديد فترة زمنية لكل مرحلة (شهر أو عدة أشهر مثلًا).
- تنظيم الروتين اليومي ، بمعنى أن يكون لك ورد قراءة ثابت:
- بعدد الصفحات (10 إلى 20 صفحة يوميًا).
- أو بفترة زمنية محددة (ساعتين إلى ثلاثة مثلًا في اليوم )، سواء خصصت للورد وقتًا معينا (بعد الفجر أو بعد العشاء) أم بحسب جدول مشاغلك (باستثمار أوقات الفراغ والانتظار البينية).
2- قبل الشروع في المادة، تذكر تحديد حاجتك منها
وذلك بأن تصوغ سؤالًا أو أسئلة يهمك أن تخرج بإجاباتها ، أو تصوغ أسئلة مبنية على توقعاتك ، فتبرمج عقلك تلقائيًا ليتحفز للتلقي، وحين يجد ضالته أن يحتفظ بها. أما قراءة الترف الفكري فهي كالأكل الزائد، تُتخِم عقل صاحبها، وتوهمه بتضخم فكري زائف، في حين لا تلبث أن تطويها مدارج النسيان، لأنها لن تُبْنَ بداية على احتياج حقيقي أو اهتمام صادق.
“اليقظةُ تستخرجُ العِلمَ مِن غيرِ مظانِهِ، والغفلةُ تقتلُ العلمَ وهو مُتجلٍ“. [د. محمد أبو موسى ، في شرحه لكتاب “دلائل الإعجاز” للجُرجاني]
3- لا تقرأ كل الكتاب بنفس الطريقة وبنفس السرعة
ومتى استكملت انتفاعك ووصلت لمقصودك لم يعد عليك التزام مقدّس تجاه إنهاء الكتاب كاملًا!
4- القراءة الاطلاعية أو التصفحية لتقييم العناوين المختارة في قائمتك قبل الشروع في القراءة المركزة
حتى لا تهدر وقتك في انتظار عائد لا تجده، وتكتشف ذلك وأنت في الصفحات الأخيرة. والتصفح المتقن يكون بالاطلاع على فهرس المحتويات، ومقدمة الكاتب التي يشرح فيها خطته أو هدفه مما كتب، ثم انتقِ موضوعًا أو اثنين مما يهمك ولديك سابق علم بهما، واطلع على عرض الكاتب لهما، سائلًا نفسك عن أسلوب العرض ومناسبة المادة لاحتياجك من حيث دسامتها أو بساطتها.
5- يكفي أن تقرأ الفقرة التقديمية والختامية للموضوع ثم الجملة الرئيسية لكل فقرة
لتكوّن انطباعًا جادًا وعامًا في آن معًا عن أهمية هذا الكتاب لك. بعد أن تغربل قائمتك وتقتصر على العناوين النوعية بالنسبة لاحتياجك، يمكنك البدء بأمان في الاستمتاع بالمادة.
نستكمل بإذن الله المفاتح الثلاثة الباقية في الجزء الثاني من المقال.